الاستقلال بمعنى أن المراد من اتخاذ إله أو إلهين أو آلهة من دون الله هو أن يتخذ غير الله شريكا لله سبحانه في ألوهيته لا أن يتخذ غير الله إلها وتنفي ألوهية الله سبحانه فإن ذلك من لغو القول الذي لا يرجع إلى محصل فإن الذي أثبته حينئذ يكون هو الإله سبحانه وينفي غيره ، ويعود النزاع إلى بعض الأوصاف التي أثبتها فمثلا لو قال قائل : « إن الإله هو المسيح ونفى إله المسيح عاد مفاد كلامه إلى إثبات الإله تعالى وتوصيفه بصفات المسيح البشرية ، ولو قال قائل : إن الأصنام أو أرباب الأصنام آلهة ونفى الله تعالى وتقدس فإنه يقول بأن للعالم إلها فقد أثبت الله سبحانه لكنه نعته بنعت الكثرة والتعدد فقد جعل لله شركاء ، أو يقول كما يقوله النصارى : (إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) أي واحد هو ثلاث وثلاث هو واحد.
ومن قال : إن مبدأ العالم هو الدهر أو الطبيعة ونفى أن يكون للعالم إله تعالى عن ذلك فقد أثبت للعالم صانعا وهو الله عز اسمه لكنه نعته بنعوت القصور والنقص والإمكان.
ومن نفى أن يكون لهذا النظام العجيب مبدأ أصلا ونفى العلية والتأثير على الرغم من صريح ما تقضي به فطرته فقد أثبت عالما موجودا ثابتا لا يقبل النفي والانعدام من رأس أي هو واجب الثبوت وحافظ ثبوته ووجوده إما نفسه وليس لطرو الزوال والتغير إلى أجزائه ، وإما غيره فهو الله تبارك وتعالى ، وله نعوت كماله.
فتبين أن الله سبحانه لا يقبل النفي أصلا إلا بظاهر من القول من غير أن يكون له معنى معقول.
والملاك في ذلك كله أن الإنسان إنما يثبت الإله تعالى من جهة الحاجة العامة في العالم إلى من يقيم أود وجوده ويدبر أمر نظامه ثم يثبت خصوصيات وجوده فما أثبته من شيء لسد هذه الخلة ورفع تلك الحاجة فهو الله سبحانه ثم إذا أثبت إلها غيره أو أثبت كثرة فإما أن يكون قد أخطأ في تشخيص صفاته وألحد في أسمائه ، أو يثبت له شريكا أو شركاء تعالى عن ذلك ، وأما نفيه وإثبات غيره فلا معنى له.
فظهر أن معنى قوله : « إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ » شريكين لله هما من غيره ، وإن سلم أن الكلمة لا تؤدي معنى الشركة بوجه ، قلنا : إن معناها لا يتعدى اتخاذ إلهين هما