اشتغال بأمر النفس.
ومن زعم أن رابطة السببية والمسببية إنما هي بين أجساد هذه الأعمال وبين الغايات الأخروية مثلا من روح وريحان وجنة نعيم ، أو بينها وبين الغايات الدنيوية الغريبة التي لا تعمل الأسباب الطبيعية فيها ، كالتصرف في إدراكات النفوس وأنواع إرادتها والتحريكات من غير محرك والاطلاع على الضمائر والحوادث المستقبلة والاتصال بالروحانيات والأرواح ونحو ذلك ، أو زعم أن العمل يستتبع الأثر من غير رابطة حقيقية أو بمجرد إرادة إلهية من غير مخصص فقد غر نفسه.
٦ ـ إياك أن يشتبه عليك الأمر فتستنتج من الأبحاث السابقة أن الدين هو العرفان والتصوف أعني معرفة النفس كما توهمه بعض الباحثين من الماديين فقسم المسلك الحيوي الدائر بين الناس إلى قسمين : المادية والعرفان وهو الدين.
وذلك أن الذي يعقد عليه الدين أن للإنسان سعادة حقيقية ليس ينالها إلا بالخضوع لما فوق الطبيعة ورفض الاقتصار على التمتعات المادية ، وقد أنتجت الأبحاث السابقة : أن الأديان أيا ما كانت من حق أو باطل تستعمل في تربية الناس وسوقهم إلى السعادة التي تعدهم إياها وتدعوهم إليها إصلاح النفس وتهذيبها إصلاحا وتهذيبا يناسب المطلوب ، وأين هذا من كون عرفان النفس هو الدين.
فالدين يدعو إلى عبادة الإله سبحانه من غير واسطة أو بواسطة الشفعاء والشركاء لأن فيها السعادة الإنسانية والحياة الطيبة التي لا بغية للإنسان دونها ، ولا ينالها الإنسان ولن ينالها إلا بنفس طاهرة مطهرة من ألواث التعلق بالماديات والتمتعات المرسلة الحيوانية ، فمست الحاجة إلى أن يدرج في أجزاء دعوته إصلاح النفس وتطهيرها ليستعد المنتحل به المتربي في حجره للتلبس بالخير والسعادة ، ولا يكون كمن يتناول الشيء بإحدى يديه ويدفعه بالأخرى ، فالدين أمر وعرفان النفس أمر آخر وراءه ، وإن استلزم الدين العرفان نوعا من الاستلزام.
وبنظير البيان يتبين أن طرق الرياضة والمجاهدة المسلوكة لمقاصد متنوعة غريبة عن العادة أيضا غير عرفان النفس وإن ارتبط البعض بالبعض نحوا من الارتباط.
نعم لنا أن نقضي بأمر وهو أن عرفان النفس بأي طريق من الطرق فرض السلوك