(بيان)
الآيات الثلاثة وعدة من الآيات الواقعة بعدها إلى بضع ومائة من آيات السورة آيات مبينة لعدة من فروع الأحكام ، وهي جميعا كالمتخللة بين الآيات المتعرضة لقصص المسيح عليهالسلام والنصارى ، وهي لكونها طوائف متفرقة نازلة في أحكام متنوعة كل منها ذات استقلال وتمام في ما تقصده من المعنى يشكل القضاء كونها نزلت دفعة أو صاحبت بقية آيات السورة في النزول إذ لا شاهد يشهد بذلك من مضامينها ، وأما ما ورد من أسباب النزول فسيأتي بعض ما هو العمدة منها في البحث الروائي.
وكذلك القول في هذه الآيات الثلاث المبحوث عنها فإن الآية الثالثة مستقلة في معناها ، وتستقل عنها الآية الأولى وإن لم تخلو من نوع من المناسبة فبينهما بعض الارتباط من جهة أن من جملة مصاديق لغو اليمين أن تتعلق بتحريم بعض الطيبات مما أحله الله تعالى ، ولعل هذا هو الداعي لمن نقل عنه في أسباب النزول أنه ذكر نزول الآيات جميعا في اليمين اللاغية.
هذا حال الآية الأولى مع الثالثة ، وأما الآية الثانية فكأنها من تمام الآية الأولى كما يشهد به بعض الشهادة ذيلها أعني قوله تعالى : « وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ » بل وصدرها حيث يشتمل على العطف ، وعلى الأمر بأكل الحلال الطيب الذي تنهى الآية الأولى عن تحريمه واجتنابه ، وبذلك تلتئم الآيتان معنى وتتحدان حكما ذواتي سياق واحد.
قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ » ، قال الراغب في المفردات : الحرام الممنوع منه إما بتسخير إلهي ، وإما بمنع قهري ، وإما بمنع من جهة العقل أو جهة الشرع أو من جهة من يرتسم أمره ، انتهى موضع الحاجة.
وقال أيضا : أصل الحل حل العقدة ، ومنه قوله عز وجل : « وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي » ، وحللت : نزلت ، أصله من حل الأحمال عند النزول ثم جرد استعماله للنزول فقيل : حل حلولا وأحله غيره ، قال عز وجل : « (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) ، (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) » ، ويقال : حل الدين وجب أداؤه ، والحلة القوم النازلون وحي حلال مثله ، والمحلة مكان النزول ، وعن حل العقدة أستعير قولهم : حل الشيء حلا