نزلت في مقيس بن ضبابة الكناني ، وجد أخاه هشاما قتيلا في بني النجار ، فذكر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، فأرسل معه قيس بن هلال الفهري ، وقال له : قل لبني النجار : إن علمتم قاتل هشام فادفعوه إلى أخيه ليقتص منه ، وإن لم تعلموا فادفعوا إليه ديته. فبلغ الفهري الرسالة فأعطوه الدية ، فلما انصرف ومعه الفهري وسوس إليه الشيطان ، فقال : ما صنعت شيئا أخذت دية أخيك فتكون سبة عليك ، اقتل الذي معك لتكون نفس بنفس والدية فضل ، فرماه بصخرة فقتله وركب بعيرا ، ورجع إلى مكة كافرا ، وأنشد يقول.
قتلت به فهرا وحملت عقله |
|
سراة بني النجار أرباب فارع |
فأدركت ثاري واضطجعت موسدا |
|
وكنت إلى الأوثان أول راجع |
فقال النبي صلىاللهعليهوآله : لا أؤمنه في حل ولا حرم: رواه الضحاك وجماعة من المفسرين ( انتهى.
أقول : وروي ما يقرب منه عن ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما.
وفي تفسير القمي في قوله تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ » (الآية) أنها نزلت لما رجع رسول الله صلىاللهعليهوآله من غزاة خيبر ، وبعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض قرى اليهود ، في ناحية فدك ليدعوهم إلى الإسلام ، كان رجل يقال له مرداس بن نهيك الفدكي في بعض القرى ، فلما أحس بخيل رسول الله صلىاللهعليهوآله ، جمع أهله وماله في ناحية الجبل فأقبل يقول ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فمر به أسامة بن زيد فطعنه فقتله ، فلما رجع إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله أخبره بذلك ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : قتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله؟ فقال : يا رسول الله إنما قالها تعوذا من القتل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : فلا كشفت الغطاء عن قلبه ، ولا ما قال بلسانه قبلت ، ولا ما كان في نفسه علمت. فحلف أسامة بعد ذلك ، أن لا يقتل أحدا شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فتخلف عن أمير المؤمنين عليهالسلام في حروبه فأنزل في ذلك : « وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا » (الآية).
أقول : وروى هذا المعنى الطبري في تفسيره عن السدي ، وروي في الدر المنثور ، روايات كثيرة في سبب نزول الآية ، في بعضها : أن القصة لمقداد بن الأسود وفي بعضها لأبي الدرداء ، وفي بعضها لمحلم بن جثامة ، وفي بعضها لم يذكر اسم للقاتل ولا المقتول