العامين إلهاميان علميان ، وأن تفاصيلها مما يجب أخذه من ناحية الوحي ، قال تعالى : « وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ » : ( إسراء : ٣٦ ) وقال : « وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ » ( البقرة : ١٦٨ ) والقرآن يسمى الشريعة المشرعة حقا قال تعالى : « أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ » : ( البقرة : ٢١٣ ) وقال : « وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً » : ( النجم : ٢٨ ) وكيف يغني وفي اتباعه مخافة الوقوع في خطر الباطل وهو الضلال؟
قال : « فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ » : ( يونس : ٣٢ ) وقال : « فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ » ( النحل : ٣٧ ) أي إن الضلال لا يصلح طريقا يوصل الإنسان إلى خير وسعادة فمن أراد أن يتوسل بباطل إلى حق أو بظلم إلى عدل أو بسيئة إلى حسنة أو بفجور إلى تقوى فقد أخطأ الطريق ، وطمع من الصنع والإيجاد الذي هو الأصل للشرائع والقوانين فيما لا يسمح له بذلك البتة ، ولو أمكن ذلك لجرى في خواص الأشياء المتضادة ، وتكفل أحد الضدين ما هو من شأن الآخر من العمل والأثر.
وكذلك القرآن يبطل طريق التذكر الذي فيه إبطال السلوك العلمي الفكري وعزل منطق الفطرة ، وقد تقدم الكلام في ذلك.
وكذلك القرآن يحظر على الناس التفكر من غير مصاحبة تقوى الله سبحانه ، وقد تقدم الكلام فيه أيضا في الجملة ، ولذلك ترى القرآن فيما يعلم من شرائع الدين يشفع الحكم الذي يبينه بفضائل أخلاقية وخصال حميدة تستيقظ بتذكرها في الإنسان غريزة تقواه ، فيقوى على فهم الحكم وفقهه ، واعتبر ذلك في أمثال قوله تعالى : « وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » : ( البقرة : ٢٣٢ ) وقوله تعالى : « وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ » : ( البقرة : ١٩٣ ) وقوله تعالى : « وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ » : ( العنكبوت : ٤٥ ).
قوله تعالى : « مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً » في المجمع : الأجل في اللغة الجناية ، انتهى. وقال الراغب في المفردات : الأجل الجناية التي يخاف منها آجلا ، فكل أجل جناية وليس كل جناية أجلا. يقال : فعلت ذلك من أجله ،