إدراك المطلوب وحالهم هذا الحال ، ومع فرض تبدل الحال يلغو الاحتجاج معهم ، ونظيرها ما ورد في السنة من الاحتجاج مع شتى الفرق والطوائف الضالة.
بل اعتبار التقوى لرد النفس الإنسانية المدركة إلى استقامتها الفطرية ، توضيح ذلك : أن الإنسان بحسب جسميته مؤلف من قوى متضادة بهيمية وسبعية محتدها البدن العنصري ، وكل واحدة منها تعمل عملها الشعوري الخاص بها من غير أن ترتبط بغيرها من القوى ارتباطا تراعي به حالها في عملها إلا بنحو الممانعة والمضادة فشهوة الغذاء تبعث الإنسان إلى الأكل والشرب من غير أن يحد بحد أو يقدر بقدر من ناحية هذه القوة إلا أن يمتنع منهما المعدة مثلا لأنها لا تسع إلا مقدارا محدودا ، أو يمتنع الفك مثلا لتعب وكلال يصيب عضلته من المضغ إذا أكثر من الأكل وأمثال ذلك ، فهذه أمور نشاهدها من أنفسنا دائما.
وإذا كان كذلك كان تمايل الإنسان إلى قوة من القوى ، واسترساله في طاعة أوامرها ، والانبعاث إلى ما تبعث إليه يوجب طغيان القوة المطاعة ، واضطهاد القوة المضادة لها اضطهادا ربما بلغ بها إلى حد البطلان أو كاد يبلغ ، فالاسترسال في شهوة الطعام أو شهوة النكاح يصرف الإنسان عن جميع مهمات الحياة من كسب وعشرة وتنظيم أمر منزل وتربية أولاد وسائر الواجبات الفردية والاجتماعية التي يجب القيام بها ، ونظيره الاسترسال في طاعة سائر القوى الشهوية والقوى الغضبية ، وهذا أيضا مما لا نزال نشاهدها من أنفسنا ومن غيرنا خلال أيام الحياة.
وفي هذا الإفراط والتفريط هلاك الإنسانية فإن الإنسان هو النفس المسخرة لهذه القوى المختلفة ، ولا شأن له إلا سوق المجموع من القوى بأعمالها في طريق سعادته في الحياة الدنيا والآخرة ، وليست إلا حياة علمية كمالية ، فلا محيص له عن أن يعطي كلا من القوى من حظها ما لا تزاحم به القوى الأخرى ولا تبطل من رأس.
فالإنسان لا يتم له معنى الإنسانية إلا إذا عدل قواه المختلفة تعديلا يورد كلا منها وسط الطريق المشروع لها ، وملكة الاعتدال في كل واحدة من القوى هي التي نسميها بخلقها الفاضل كالحكمة والشجاعة والعفة وغيرها ، ويجمع الجميع العدالة.
ولا ريب أن الإنسان إنما يحصل على هذه الأفكار الموجودة عنده ويتوسع في معارفه وعلومه الإنسانية باقتراح هذه القوى الشعورية أعمالها ومقتضياتها ، بمعنى أن الإنسان في