ومن الممكن أن يستفاد من ذلك عدم وجوب الإتيان بعمل الطهارة عند القيام إلى كل صلاة إذا كان المصلي على طهارة غير منقوضة ، ولا ينافي ذلك ظهور صدر الآية في الإطلاق لأن التشريع أعم مما يكون على سبيل الوجوب.
وأما قوله. « وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ » ، فقد مر معنى النعمة وإتمامها في الكلام على قوله تعالى : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » : ( المائدة : ٣ ) ومعنى الشكر في الكلام على قوله تعالى : ( وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) : ( آل عمران : ١٤٤ ) في الجزء الرابع من الكتاب.
فالمراد بالنعمة في الآية هو الدين لا من حيث أجزائه من المعارف والأحكام ، بل من حيث كونه إسلام الوجه لله في جميع الشئون ، وهو ولاية الله على العباد بما يحكم فيهم ، وإنما يتم ذلك باستيفاء التشريع جميع الأحكام الدينية التي منها حكم الطهارات الثلاث.
ومن هنا يظهر أن بين الغايتين أعني قوله : « لِيُطَهِّرَكُمْ » وقوله : « لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ » فرقا ، وهو أن الطهارة غاية لتشريع الطهارات الثلاث بخلاف إتمام النعمة ، فإنه غاية لتشريع جميع الأحكام ، وليس للطهارات الثلاث منها إلا سهمها ، فالغايتان خاصة وعامة.
وعلى هذا فالمعنى : ولكن نريد بجعل الطهارات الثلاث حصول الطهارة بها خاصة لكم ، ولأنها بعض الدين الذي يتم بتشريع جميعها نعمة الله عليكم لعلكم تشكرون الله على نعمته فيخلصكم لنفسه ، فافهم ذلك.
قوله تعالى : ( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ) ، هذا هو الميثاق الذي كان مأخوذا منهم على الإسلام كما تشهد به تذكرته لهم بقوله : « إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا » فإنه السمع المطلق ، والطاعة المطلقة ، وهو الإسلام لله فالمعني بالنعمة في قوله : « وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ » هو المواهب الجميلة التي وهبهم الله سبحانه إياها في شعاع الإسلام ، وهو التفاضل الذي بين حالهم في جاهليتهم وحالهم في إسلامهم من الأمن والعافية والثروة وصفاء القلوب وطهارة الأعمال كما قال تعالى : « وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها » : ( آل عمران : ١٠٣ ).
أو أن الإسلام بحقيقته هو المراد بالنعمة ، فإنه أم النعم ترتضع منها كل نعمة كما