سرية في واقعة خاصة لا تتجاوزها خبرتهم ودائرة عملهم ، وأما أمثال ما هو مورد الآية وهو الإخلال في الأمن وإيجاد الخوف والوحشة العامة التي كان يتوسل إليها المشركون ببعث العيون وإرسال الرسل السرية الذين يذيعون من الأخبار ما يخزلون به المؤمنين فلا شأن لأمراء السرايا في ذلك حتى يمكنهم أن يبينوا وجه الحق فيه للناس إذا سألوهم عن أمثال تلك الأخبار.
وأما القول بأن أولي الأمر هم العلماء فعدم مناسبته للآية أظهر ، إذ العلماء وهم يومئذ المحدثون والفقهاء والقراء والمتكلمون في أصول الدين ـ إنما خبرتهم في الفقه والحديث ونحو ذلك ، ومورد قوله « وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ » ، هي الأخبار التي لها أعراق سياسية ترتبط بأطراف شتى ربما أفضى قبولها أو ردها أو الإهمال فيها من المفاسد الحيوية والمضار الاجتماعية إلى ما يمكن أن لا يستصلح بأي مصلح آخر ، أو يبطل مساعي أمة في طريق سعادتها ، أو يذهب بسؤددهم ويضرب بالذل والمسكنة والقتل والأسر عليهم ، وأي خبرة للعلماء من حيث إنهم محدثون أو فقهاء أو قراء أو نحوهم في هذه القضايا حتى يأمر الله سبحانه بإرجاعها وردها إليهم؟ وأي رجاء في حل أمثال هذه المشكلات بأيديهم؟
وأما القول بأن أولي الأمر هم الخلفاء الراشدون أعني أبا بكر وعمر وعثمان وعليا فمع كونه لا دليل عليه من كتاب أو سنة قطعية ، يرد عليه أن حكم الآية إما مختص بزمان النبي صلىاللهعليهوآله أو عام يشمله وما بعده ، وعلى الأول كان من اللازم أن يكونوا معروفين بهذا الشأن بما أنهم هؤلاء الأربعة من بين الناس ومن بين الصحابة خاصة ، والحديث والتاريخ لا يضبطان لهم بخصوصهم شأنا من هذا القبيل ، وعلى الثاني كان لازمه انقطاع حكم الآية بانقطاع زمان حياتهم ، وكان لازمه أن تتصدى الآية لبيان ذلك كما في جميع الأحكام الخاصة بشطر من الزمان المذكورة في القرآن كالأحكام الخاصة بالنبي صلىاللهعليهوآله ولا أثر في الآية من ذلك.
وأما القول بأن المراد بأولي الأمر أهل الحل والعقد ، وهذا القائل لما رأى أنه لم يكن في عهد النبي صلىاللهعليهوآله جماعة مشخصة هم أهل الحل والعقد على حد ما يوجد بين الأمم المتمدنة ذوات المجتمعات المتشكلة كهيئة الوزراء ، وجمعية المبعوثين إلى المنتدى وغير ذلك فإن الأمة لم يكن يجري فيها إلا حكم الله ورسوله ، اضطر إلى تفسيره بأهل الشورى من الصحابة وخاصة النبي صلىاللهعليهوآله منهم.
وكيف كان ، يرد عليه أن النبي صلىاللهعليهوآله كان يجمع في مشاورته المؤمنين والمنافقين كعبد الله