والمعاني المذكورة فيها ، فهاتان الروايتان وما في معناهما هي الموافقة للكتاب من بين جميع الروايات فهي المتعينة للأخذ.
على أن هذه الأحاديث الدالة على نزول الآية في مسألة الولاية ـ وهي تزيد على عشرين حديثا من طرق أهل السنة والشيعة ـ مرتبطة بما ورد في سبب نزول قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » : الآية ( المائدة : ٦٧ ) وهي تربو على خمسة عشر حديثا رواها الفريقان ، والجميع مرتبط بحديث الغدير : « من كنت مولاه فعلي مولاه » وهو حديث متواتر مروي عن جم غفير من الصحابة ، اعترف بتواتره جمع كثير من علماء الفريقين.
ومن المتفق عليه أن ذلك كان في منصرف رسول الله صلىاللهعليهوآله من مكة إلى المدينة.
وهذه الولاية ( لو لم تحمل على الهزل والتهكم ) فريضة من الفرائض كالتولي والتبري اللذين نص عليهما القرآن في آيات كثيرة ، وإذا كان كذلك لم يجز أن يتأخر جعلها نزول الآية أعني قوله : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ » ، فالآية إنما نزلت بعد فرضها من الله سبحانه ، ولا اعتماد على ما ينافي ذلك من الروايات لو كانت منافية.
وأما ما رواه من الرواية فقد عرفت ما ينبغي أن يقال فيها غير أن هاهنا أمرا يجب التنبه له ، وهو أن التدبر في الآيتين الكريمتين : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ » (الآية) على ما سيجيء من بيان معناه ، وقوله : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » (الآية) والأحاديث الواردة من طرق الفريقين فيهما وروايات الغدير المتواترة ، وكذا دراسة أوضاع المجتمع الإسلامي الداخلية في أواخر عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله والبحث العميق فيها يفيد القطع بأن أمر الولاية كان نازلا قبل يوم الغدير بأيام ، وكان النبي صلىاللهعليهوآله يتقي الناس في إظهاره ، ويخاف أن لا يتلقوه بالقبول أو يسيئوا القصد إليه فيختل أمر الدعوة ، فكان لا يزال يؤخر تبليغه الناس من يوم إلى غد حتى نزل قوله : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ » (الآية) فلم يمهل في ذلك.
وعلى هذا فمن الجائز أن ينزل الله سبحانه معظم السورة وفيه قوله : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » (الآية) وينزل معه أمر الولاية كل ذلك يوم عرفة فأخر النبي صلىاللهعليهوآله بيان الولاية إلى غدير خم ، وقد كان تلا آيتها يوم عرفة وأما اشتمال بعض الروايات على