* * *
( لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً ـ ١٤٨. إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً ـ ١٤٩. )
( بيان )
قوله تعالى : « لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ » ، قال الراغب في مادة « جهر » يقال لظهور الشيء بإفراط لحاسة البصر أو حاسة السمع ، أما البصر فنحو رأيته جهارا ، قال الله تعالى : « لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً » « أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً » ـ إلى أن قال ـ وأما السمع فمنه قوله تعالى : « سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ». والسوء من القول كل كلام يسوء من قيل فيه كالدعاء عليه ، وشتمه بما فيه من المساوئ والعيوب وبما ليس فيه ، فكل ذلك لا يحب الله الجهر به وإظهاره ، ومن المعلوم أنه تعالى منزه من الحب والبغض على حد ما يوجد فينا معشر الإنسان وما يجانسنا من الحيوان ، إلا أنه لما كان الأمر والنهي عندنا بحسب الطبع صادرين عن حب وبغض كني بهما عن الإرادة والكراهة وعن الأمر والنهي.
فقوله « لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ » كناية عن الكراهة التشريعية أعم من التحريم والإعانة.
وقوله « إِلَّا مَنْ ظُلِمَ » استثناء منقطع أي لكن من ظلم لا بأس بأن يجهر بالسوء من القول فيمن ظلمه من حيث ظلم ، وهذه هي القرينة على أنه إنما يجوز له الجهر بالسوء من القول يبين فيه ما ظلمه ، ويظهر مساوئه التي فيه مما ظلمه به ، وأما التعدي إلى غيره مما ليس فيه ، أو ما لا يرتبط بظلمه فلا دليل على جواز الجهر به من الآية.
والمفسرون وإن اختلفوا في تفسير السوء من القول فمن قائل إنه الدعاء عليه ، ومن قائل إنه ذكر ظلمه وما تعدى به عليه وغير ذلك إلا أن الجميع مشمول لإطلاق الآية