مرتبطة بعضها ببعض ، مستلزمة بعضها ببعض ، فالله سبحانه لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى والصفات العليا ، وهي الموجبة لأن يخلق خلقا ويهديهم إلى ما يرشدهم ويسعدهم ثم يبعثهم ليوم الجزاء ، ولا يتم ذلك إلا بإرسال رسل مبشرين ومنذرين ، وإنزال كتب تحكم بينهم فيما اختلفوا فيه ، وتبين لهم معارف المبدأ والمعاد ، وأصول الشرائع والأحكام.
فالإيمان بواحد من حقائق هذه المعارف لا يتم إلا مع الإيمان بجميعها من غير استثناء ، والرد لبعضها مع الأخذ ببعض آخر كفر لو أظهر ، ونفاق لو كتم وأخفى ، ومن النفاق أن يتخذ المؤمن مسيرا ينتهي به إلى رد بعض ذلك ، كأن يفارق مجتمع المؤمنين ويتقرب إلى مجتمع الكفار ويواليهم ، ويصدقهم في بعض ما يرمون به الإيمان وأهله ، أو يعترضوا أو يستهزءون به الحق وخاصته ، ولذلك عقب تعالى هذه الآية بالتعرض لحال المنافقين ووعيدهم بالعذاب الأليم.
وما ذكرناه من المعنى هو الذي يقضي به ظاهر الآية وهو أوجه مما ذكره بعض المفسرين أن المراد بقوله « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا » ، : يا أيها الذين آمنوا في الظاهر بالإقرار بالله ورسوله آمنوا في الباطن ليوافق ظاهركم باطنكم. وكذا ما ذكره بعضهم أن معنى « آمَنُوا » اثبتوا على إيمانكم ، وكذا ما ذكره آخرون أن الخطاب لمؤمني أهل الكتاب أي يا أيها الذين آمنوا من أهل الكتاب آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله وهو القرآن.
وهذه المعاني وإن كانت في نفسها صحيحة لكن القرائن الكلامية ناهضة على خلافها ، وأردأ الوجوه آخرها.
قوله تعالى : « وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً » لما كان الشطر الأول من الآية أعني قوله « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا ـ إلى قوله ـ مِنْ قَبْلُ » دعوة إلى الجمع بين جميع ما ذكر فيه بدعوى أن أجزاء هذا المجموع مرتبطة غير مفارق بعضها بعضا كان هذا التفصيل ثانيا في معنى الترديد والمعنى : ومن يكفر بالله أو ملائكته أو كتبه أو رسله أو اليوم الآخر أي من يكفر بشيء من أجزاء الإيمان فقد ضل ضلالا بعيدا.
وليس المراد بالعطف بالواو الجمع في الحكم ليتم الجميع موضوعا واحدا له حكم