فى الترْغيبِ فى الجميلِ : ولو رَأيتمُ المعروفَ رَجُلاً لَرأيتموهُ حَسَنا جميلاً ، كقولِ الشاعرِ :
ولم أرَ كالمعروفِ ، أمَّا مَذاقُه |
|
فَحُلوٌ ، وأمَّا وَجهُه فَجميلُ (١) |
فَجَعل له مَذاقًا وجَوهرًا ، وهذا إنما يكونُ فى الجواهِرِ ، وإنمَّا يُرَغِّبُ فيه ويُنَبِّهُ عليه ويُعَظِّمُ من قدرِه بأن يُصَوّرَهُ فى النفسِ على أشرَفِ أحْوالِه وأنْوَهِ صِفاتِه ، وذلك بأن يَتخيَّرَ شخصا مُجَسَّما لا عَرَضا مُتَوَهَّما.
وقولُه تعالى : (وَاللهُ يَخْتَصُ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) [البقرة : ١٠٥] معناه ، يختصُّ بِنُبُوَّتِه مِمَّنْ أخبرَ عزّ وَجلَّ أنه مُصْطَفًى مختارٌ.
واللهُ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ : بُنِيَت الصّفَةُ الأولى على فَعْلانَ لأن مَعناه الكَثْرةُ ، وذلك لأنّ. فأمَّا الرَّحيمُ فإنما ذُكِرَ بعدَ الرْحْمَنِ لأنَ الرحمنَ مَقصورٌ على اللهِ عزوجل ، والرحِيمُ قد يكونُ لغيرهِ ، قال « الفارِسِىُّ » : إنما قيل : « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » فجىء بالرَّحيمِ بعد استغراقِ الرَّحمنِ معنى الرَّحمةِ ، لِتَخْصيصِ المؤمنين به فى قولِه : (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) [الأحزاب : ٤٣] كما قال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [ثم قال] : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) [العلق : ١ ، ٢] فخصَّ بعدَ أنْ عَمَّ ، لما فى الإنسان منْ وُجوهِ الصناعةِ ووجوهِ الحِكْمةِ. ونحوُه كثيرٌ ، وقد استَقْصيتُ شرحَ ذلك فى [الكِتابِ المُخَصصِ] عند ذِكْرِ أسْمائِه الحُسنى. قال « الزَّجَّاجُ » : الرحمنُ اسمٌ من أسماءِ اللهِ تَعالى مذكورٌ فى الكُتُبِ الأوَلِ ولم يَكونوا يَعرِفونه من أسماءِ اللهِ. قال : « أبو الحسَنِ » : أُراه يَعْنِى أصحابَ الكُتُبِ الأُوَلِ ، ومعناه عند أهلِ اللُّغَةِ ذو الرْحمةِ التى لا غايةَ بعدها فى الرْحمَةِ ، لأنَّ فَعْلانَ بناءٌ من أبنِيَةِ المبالَغَة.
ورحيمٌ ، فعيلٌ بمعنى فاعِلٍ كما قالوا : سميعٌ بمعنى سامِعٍ ، وقديرٌ بمعنى قادرٍ. وكذلك رجُلٌ رَحُومٌ وامرأةٌ رَحُومٌ.
وما أقربَ رُحْمَ فُلانٍ ، أى ما أرْحَمهُ وأبَرَّهُ. وفى التنزيلِ : (وَأَقْرَبَ رُحْماً) [الكهف : ٨١] وقُرِئَت : رُحُما.
* وأمُ الرُّحْمِ : « مَكَّةُ ».
والمرحومةُ : من أسماءِ مَدينةِ النبى صَلَى الله عليه وسلم ، يذهبون بذلك إلى مُؤْمِنى أهْلِها.
* والرَّحِمُ والرَّحْمُ : مَنْبِتُ الوَلَدِ ووِعاؤُه فى البطْنِ ، قال « عَبيدٌ » :
__________________
(١) البيت لأبى العيناء فى ديوانه ص ٤٥ ؛ ولهذيل بن ميسر الفزارى فى نسخة من نسخ أمالى القالى (أمالى القالى ١ / ٣٨ الهامش) ؛ ولمبشر بن هذيل فى ديوان المعانى (١ / ٩٠) ؛ وبلا نسبة فى لسان العرب (رحم).