سمعت « فاطمة » خطىً هادئة كنبضات قلب يخفق أملاً ، خطىً تعرفها فاطمة .. لهذا هبّت كفراشة تهوي الى النور بقوامها النحيل بعينيها الواسعتين سعة الصحرا وبابتسامتها المشرقة بالأمل ...
ولكن لم تسمّرت « فاطمة » في مكانها كأن خنجراً يطعن قلبها طعنة نجلاء ...
عاد أبوها حزيناً بدا وجهه كسماء مدلهمة بسحب من رماد ، كان ينقض عن رأسه ووجهه التراب والأوساخ وتمتم الرسول بحسرة :
ـ والله ما نالت قريش مني شيئاً أكرهه إلاّ بعد موت أبي طالب.
اهتزّت « فاطمة » لهول ما ترى وبدت كسعفة أغضبتها الريح ... يا لصبر الأنبياء ... شعرت بالانكسار. كيف سوّلت لذلك السفيه نفسه أن يمسّ بالسوء وجها يسطع بالنور ...
بكت بانكسار .. وسالت دموعها حزينة حزن سماء تمطر على هون.
مسح الأب دموع ابنته ثم قال وعيناه تشعّان أملاً :
ـ لا تبكي يا فاطمة .. ان الله ناصر أباك على أعداء رسالته. انحسرت الغيوم عن السماء فبدت صافية مشرقة وعادت الابتسامة الى الوجه الملائكي ... ولكن عتباً كان يموج في قلبها :
ـ ترى أين كان فتى شيخ البطحاء ... وهو لا يكاد يفارق أباها ..