دقّت طبول الحرب بين مضارب القبائل وسيوف الغدر تشحذ ، تومض في بطون نجد وكنانة وقريش تطرب على رقصة الحرب وهند تلوك كبد حمزة ، وأبو سفيان يحلم بالمجد .. يهتف : اعل هبل.
رياح الشتاء ما تزال تعصف بالمدينة والغيوم تغبر السماء كسفن تائهة ، حلّ شهر رمضان ، القى رحله في الجزيرة غريباً لا يعرفه أحد إلا في أرض طيبة ...
صامت يثرب لله .. امتنع أهلها عن الأكل والشرب .. وصامت جوارحهم ... والمعدة توقفت عن الانبساط والتقلّص .. فانتفض القلب يخفق بقوّة .. واستيقظ العقل من سباته متوتراً .. يرى ما لا تراه العيون .. ويدرك ما لا تدركه الأبصار ..
جاء رمضان يعلّم الانسان كيف يجوع فينتصر. كيف يظمأ لتولد إرادته .. كيف يهزم الوحش القابع في داخله لينتصر الانسان المضطهد في الأعماق .. رمضان نهر يجري .. تتدافع أمواجه برفق. يغسل القلوب من الدرن .. يعيدها بيضاء بيضاء كحمائم بريّة تطير في الفضاء .. خفيفة حرّة تسبح في ملكوت الله.
الرياح الباردة ما تزال تهبّ من ناحية الشمال ... والغيوم ما تزال تفرّ مذعورة باتجاه الجنوب ... ولا قطرة مطر والعالم عام جفاف ... والرسول يشدّ على بطنه حجر المجاعة ، ويصغي الى انباء تأتي من