فانها مستتبعة لجميع
الخيرات الدنيوية ، من فعل الطاعات وترك السيئات وغيرهما ، والاخروية مع الحور
والقصور وغيرهما مما هو موجود في الجنة من انواع الملذات ، فانها كلها تنشأ من تلك
الاخلاق ، الا انها لا يلزم آثارها الا بعد المفارقة الى الاخرة.
وذلك لان الجنة الصورية ، وهي الابواب
والجدران وما فيها من الانهار والاشجار والحور والقصور وغيرها ، صورة الاخلاق
الحميدة والافعال الحسنة الناشئة منها ، والعلوم والآراء المطابقة للواقع.
كما ان النار الصورية وما فيها من
العقارب والحيات وغيرهما من انواع المؤذيات ، صورة اضدادها من الاخلاق الذميمة
والملكات الردية ، والعلم بالاشياء على خلاف ما هي عليه. وفوق كل ذلك هو المعارف
الالهية ، واقتناؤها من فروع العقل.
قال الفاضل العارف كمال الدين بن ميثم
البحراني في شرح نهج البلاغة عند قوله ـ عليه السلام ـ « درجات متفاضلات » : اعلم
ان الذ ثمار الجنة هي المعارف الالهية ، والنظر الى وجه الله ذي الجلال والاكرام ،
والسعداء في الوصول الى نيل هذه الثمرة على مراتب متفاوتة.
فالاولى من اوتي الكمال في حدس القوة
النظرية ، حتى استغني عن معلم بشري رأساً ، واوتي مع ذلك ثبات قوة المفكرة
واستقامة وهمه ، منقاداً تحت قلم العقل ، فلا يلتفت الى العالم المحسوس بما فيه ، حتى
يشاهد عالم المعقول بما فيه من الاحوال ، ويستثبتها في اليقظة.
فيصير العالم وما يجري فيه متمثلا في
نفسه ، فيكون لقوته النفسانية ان تؤثر في عالم الطبيعة ، حتى تنتهي الى درجة
النفوس السماوية ، وتلك هي النفوس القدسية اولات المعارج ، وهم السابقون السابقون
اولئك المقربون ، وهم افضل النوع البشري واحقه بأعلى درجات السعادة في الجنة .
____________