والاخبار في ذلك اكثر من ان تحصى ، وبعضها يدل على ان ارواحهم كانت متعلقة بأبدان مثالية ، ولا استبعاد فيه ، اذ كما يجوز تعلق الارواح بعد خراب الابدان بأبدان مثالية ، جاز تعلقها بها قبل تعلقها بهذه الابدان ، كما دل عليه كثير من الاخبار.
وليس هذا من التناسخ الممنوع في شيء ، كما قررنا في تعليقاتنا على الاربعين للشيخ بهاء الدين رحمه الله.
والقول بأن تلك النفوس في تلك المدة المتطاولة ان كانت كاسبة فأين مكسوباتها ، وان لم تكن بل كانت مهملة معطلة لزم التعطيل ، مع انه لا وجه لتعطلها مع بقائها وبقاء ما تعلقت هي بها من الابدان المثالية.
فيلزم ان يكون لكل انسان منهم علوم وكمالات ، او نقصان وجهالات ، ولا اقل من ان يتذكر شيئا من احوال ذلك البدن ، لان محل العلم والتذكر انما هو جوهر النفس الباقي.
الا يرى ان اهل الاخرة يتذكرون كثيرا من احوال الدنيا ، حتى يقول اهل الجنة لاهل النار « ان قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً » (١).
مجاب بأن توغلهم في هذا البدن ، شغلهم عن ذلك ومنعهم ، ولذلك كان غير المتوغلين منهم كأئمتنا صلوات الله عليهم متذكرين بأحوال ذلك البدن.
حيث اخبروا بأنهم كانوا يعبدون الله بالتسبيح والتهليل ، وبأن الملائكة لما استعظموا شأنهم سبحوا ، ليعلموا انهم مخلوقون مربوبون ، وان الله منزه عن صفاتهم ، الى غير ذلك من احوال ذلك البدن ، كما هو مذكور في محله.
فان قلت : يؤيد قول الحكماء قوله تعالى : « ثم انشأناه خلقاً آخر » (٢) اراد به الروح ، ولفظة « ثم » تفيد التراخي ، فدلت على ان خلقها بعد تكون البدن.
____________
(١) الاعراف : ٤٤.
(٢) المؤمنون : ١٤.