النار وأجودها نار الفحم فيترك إلى أن يتسق بالغليان وترفع رغوته كلها ثم يبادر إلى قطعها ونزعها لئلا تغوص فيه ثم يطبخ إلى أن يقارب الإنعقاد ثم يلقى عليه من ماء الليمون المصفى المعتصر على شيء من السكر لئلا يثمر وبقدر ما يلتذ طاعمه فإن من الناس من يوافقه القليل الحموضة منه ومنهم من يوافقه ظاهرها ، فأما ما جرت به عادة أكثر الناس والشرابين بالديار المصرية بأن يلقوا لكل رطل من السكر من ثلاث أواق إلى أربع ثم يطبخ إلى أن يعود إلى قوامه قبل إلقاء ماء الليمون عليه ، ثم يخفف النار تحته ويطبخ إلى أن يبلغ من القوام إلى الحد الذي يؤمن عليه من الفساد وينزل عن النار ويرفع ، ومن الناس من يقصد تحسين لونه فمن أراد ذلك فليتفقده في حال عقده بأن يأخذ منه شيئا في قارورة زجاج صافية وينزل عن النار ويرفعه وقتا بعد وقت ويتأمل لونه فإن أرضاه والأرش عليه من الماء المروق الصافي أما وحده أو مضروبا مع شيء من بياض البيض ويتركه قليلا ثم يمتحنه كما تقدم ، فإن أرضاه وإلا فعل مثله حتى يستوي فظاهر أن هذا الفعل يضعف قوّة الشراب وهذا أفضل صفته. ومن البين أن هذا الشراب ينفع من جميع ما تنفع العصارة التي قدمناها وبينا أمرها اللهم إلا ما كان مثل منفعة البهق والقوباء والكلف إلا أنا نذكر منافعه ههنا على جهة أخرى ولا نبالي إن كررنا بعض ما قدّمنا فنقول : أن هذا الشراب متى أخذ الإنسان منه شيئا بعد شيء فإنه يجلو ما يصادفه في الحلق والحنك والمريء والمعدة من الأخلاط المرية الغليظة والبلاغم اللزجة ويقطعها ويلطفها ويعين على صعود ما يحتاج إلى خروجه من أسفل بالإسهال فيرطب يبس الفم وجفاف اللسان ويقطع العطش ، وإن كان ذلك على جهة التنقل على الشراب والسكر نفع الخمار إذا أخذ في الفم وابتلع ما ينحل منه أوّلا فأوّلا وتغرغر به نفع أورام الحلق واللوزتين واللهاة والخوانيق وقلل ما ينصب ويتحلب إليها من المواد وفتح الحلق ويسهل المبلع ، فإذا فعل ذلك فقد سخن حتى صار فوق الفاتر قليلا وكان تقطيعه للأخلاط اللزجة ومنفعته للخوانيق الكائنة غن الأخلاط الغليظة أبلغ وأقوى وينفع من التشنج المعدي الرطب المقترن بالحمى ويطلق عقلة اللسان المانعة له ولا سيما تشنج الأطفال والصبيان العارض عند امتداد حمياتهم واحتباس بطونهم فإنه لا نظير له فيهم ولا سيما إن اتخذ بالشيرخشت والزنجبين عوضا عن السكر فإن نفعه لهم مع ما ينضاف إليه من تليين البطن يكون أبلغ وأكثر ، وإذا جعل في الفم وأرخيت عضل الحلق وترك ما ينحل منه ينزل وينحدر في قصبة الرئة من غير ابتلاع أولا فأولا سيما الرمل منه بنفسه غسل قصبة الرئة وجلاها وملس خشونتها ، ولا سيما إن خلط به شيء من دهن اللوز الحلو فنيفع من السعال الكائن من النزلات والمواد الغليظة اللزجة ويسهل نفث ما يجتمع في الصدر منها ولا سيما إن أضيف إليه شيء من رب السوس الطرسوسي العاتق انتفع به أصحاب الشوصة وذات الجنب ، وإذا تعسر عليهم النفث بسبب غلظه ولزوجته ، وإذا مزج بالماء البارد وشرب قطع العطش ونبه الشهوة والقوّة وأنعشها لما فيه من التغذية المستفادة من السكر وتعديل المزاج وتقوية العضو الباطن وبرد إلتهاب الكبد والمعدة ويسكن وهج الحميات الحادة لا سيما إذا أضيف إلى الجلاب المعمول بماء الورد العطر وفت عليه حبة أو حبات من الكافور العنصوري أو أضيف إليه شيء من لعاب بزرقطونا أو حلبت بعض