فافهم ممّـا ذكرت أنّ طلبك محبّةً إلهيّة مع كونك مرتكباً للمعصية أمر فاسد جدّاً ، وكيف يخفى عندك أنّ ترك المعصية أوّل الدين وآخره وظاهره وباطنه ، فبادر إلى المجاهدة ، واشتغل بتمام الجدّ في المراقبة ، من أوّل قيامك من نومك في جميع آناتك إلى نومك ، والزم الأدب في مقدس حضرته ، واعلم أنّك بجميع أجزاء وجودك ذرّةً ذرّة أسير قدرته ، وراعِ حرمة شريف حضوره ، واعبده كأ نّك تراه (١).
فطالب العلم لا بدّ له أوّلا من تصحيح النيّة ، بأن يطلب العلم لله سبحانه ، ثمّ يترك المعاصي ، فإنّه يغفر للجاهل سبعون ذنباً ، قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد ، وكيف من عرف أنّه في محضر ملك الملوك ، في محضر ربّ العالمين يعصي الله؟
كثيرٌ من سلفنا الصالح كانوا طيلة حياتهم لا يرتكبون مكروهاً ولا مباحاً ، فكيف بالحرام؟
وفي عصرنا ، يقال عن آية الله العظمى السيّد الخوانساري (قدس سره) : من يوم بلوغه لم يرتكب ذنباً. وسيّدنا الاُستاذ آية الله النجفي المرعشي (قدس سره) قال لي : لم أعمل ما يوافق هواي منذ البلوغ. وأحد الأخوين الشريف الرضي والسيّد المرتضى علم الهدى عليهما الرحمة لم ينوِ المكروه من يوم بلوغه ، ومثل هذه الحالات إن دلّت على شيء فإنّها تدلّ على طهارتهم ونزاهتهم وعصمتهم الأفعاليّة الجزئيّة ، التي هي تالي تلو العصمة الذاتيّة الكلّية الواجبة كما في الأنبياء والأئمّة الهداة المعصومين (عليهم السلام) وفاطمة الزهراء سيّدة النساء (عليها السلام).
فلا بدّ لطالب العلم في سيرته الأخلاقيّة منذ اليوم الأوّل أن يجتنب المكروهات فضلا عن المحرّمات ، ويشتغل بالمستحبّات والنوافل فضلا عن
__________________
١ ـ سيماء الصالحين : ٨٧.