والناس إنّما يتّبعون أهل العلم في
أقوالهم ومواعظهم ، لو رأوا ذلك على حركاتهم وسكناتهم ، فمن عمل بما علم وبدأ
بنفسه أوّلا ، فإنّه يؤثّر في النفوس وتنقاد له القلوب ، وإلاّ فإنّ الكلام إذا
خرج من القلب دخل في القلب ، وإذا خرج من اللسان لم يتجاوز الآذان.
يقول العلاّمة الطباطبائي في تفسيره ـ
الميزان ـ : « فمن الواجب عند التعليم أن يتلقّى المتعلّم الحقائق العلميّة
مشفوعةً بالعمل ، حتّى يتدرّب ويتمرّن عليه لتزول بذلك الاعتقادات المخالفة الكائنة
في زوايا نفسه ، ويرسخ التصديق بما تعلّمه في النفس ، لأنّ الوقوع أحسن شاهد على
الإمكان ـ فإنّ أوّل دليل على إمكان الشيء وقوعه ـ ولذلك نرى أنّ العمل الذي لم
تهد النفس وقوعه في الخارج يصعب انقيادها له ، فإذا وقع لأوّل مرّة بدا كأنّه
انقلب من امتناع إلى إمكان ، وعظم أمر وقوعه ، وأورث في النفس قلقاً واضطراباً ،
ثمّ إذا وقع ثانياً وثالثاً هان أمره وانكسر سورته ، والتحق بالعاديات التي لا
يعبأ بأمرها ، وإنّ الخير عادة ، كما أنّ الشرّ عادة.
ورعاية هذا الاُسلوب في التعليمات
الدينية وخاصّة في التعليم الديني الإسلامي من أوضح الاُمور ، فلم يأخذ شارع الدين
في تعليم مؤمنيه بالكلّيات العقليّة والقوانين العامّة قطّ ، بل بدأ بالعمل وشفعه
بالقول والبيان اللفظي ، فإذا استكمل أحدهم تعلّم معارف الدين وشرائعه ، استكمله
وهو مجهّز بالعمل الصالح ، مزوّد بزاد التقوى.
كما أنّ من الواجب أن يكون المعلّم
المربّي عاملا بعلمه ، فلا تأثير في العلم إذا لم يقرن بالعمل ، لأنّ للفعل دلالة
كما أنّ للقول دلالة ، فالفعل المخالف للقول يدلّ على ثبوت هيئة مخالفة في النفس
يكذب القول فيدلّ على أنّ القول مكيدة ونوع حيلة يحتال بها قائله لغرور الناس
واصطيادهم.