وكذلكَ معْجِزةُ عِيسى عليهالسلام ، هي إِحياؤُه للموتَى ، وإِبراءُ الأَكْمَهِ ، والأبرَصِ الذي لا يَبْرأ لأنه بُعِثَ إِلى قَوْمٍ يتَفَاخَرُنَ في الطِّبِّ ، فَأتَاهُم بما بَهَرَهُم من كلِّ مُعْجِبِ.
وكذلكَ معجِزَةُ نبيِّنا محمدٍ ، النبيِّ الأمِّي صَلى الله عَليه وسلم ، بُعِثَ إِلى الأُمِّيّين من العَرَب ، وهم يَتَبَارَوْن في الفَصاحَةِ في الشّعْرِ والخُطَب ، فكانَ معجزتَه القرآنُ الذي عَجِزوا أن يأتُوا بمثْلِه ، وأن يُعارِضوا من السُّوَرِ بِشَكْلِه. فخاطَبَهمُ الله ـ عزوجل ـ بما يفهمون ، لأنّهم أُمّيّون لا يَعْلَمون ، ففرَض عليهم الصلاةَ والزَّكاةَ والصّيامَ ، وغيرَها من شَرائِع الإِسْلام. وقال لهم في هِلالِ شَهْرِ رَمَضان ، « صُوْمُوا لرؤْيَتِه وأَفْطِروا لرُؤْيَتِه » (١) ، فتُوافِقُ الرؤيةُ حِيناً الحِسابَ ، وتُخالِفُ حيناً وهيَ لا تَعْدو الصّواب ، لأنّهم أُمِّيون ، لا يعرِفُون غير رَؤيةِ الأَبْصار والعُيون. وأكْثَروا سُؤَالَه عن عِلْم السَّاعة ، فأجابَهم الله تعالى بجواب مفهم لواحدِهم والجَمَاعة ، فقال تَعالى : ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ )(٢).
وقد روى علماءُ الهند في العِلْم الذي نزّلَه اللهُ تَعالى على نَبِيّه إِدْريسَ أنّ الله تعالى أَعْلَمَه بها (٣) ، ودَلَّه على بُعْدِها وقُرْبها. فقالوا : إِنّ اللهَ تَعالى بعَظِيم قُدْرَتِه ، ولَطيفِ حِكْمَتِه ، خلَقَ الكَواكِبَ السَبْعةَ كُلَّها وهي : زُحَلُ ، والمُشْتَرِي ، والمِرِّيخ ، والشَّمسُ ، والزُّهْرَة ، وعُطارِدُ ، والقَمَر ، في أوَّلِ دقيقةٍ من الحَمَلِ بأَوْجَاتها (٤) وهيَ المواضِعُ التي ترتفع فيها وجَوْزهِرَاتِها وهي المواضِعُ التي يُعرفُ بها عُروضُ الكَوَاكب. ولكل كوكَبٍ منها سَيْرٌ
__________________
(١) هو بلفظه من حديث أبي هريرة عند النسائي في كتاب الصوم ( ٤ / ١٣٣ ) وأخرجه أحمد ( ٤ / ٣٢١ ) من حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ؛ وانظر كشف الخفاء ( ٢ / ٣٣ : ١٦٣٠ ).
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٨٧.
(٣) أي أعلمه بالساعة وقيام القيامة.
(٤) أوجاتها : جمع أوجٍ ، وهو : أعلى نقطة في مدار الكوكب ، ويقابله : الحضيض.