حميات غب ومحرقة ، وقد أخطأ يحيى بن ماسويه في هذا الموضع خطأ عظيماً بمشورته على من يأكل البطيخ بشرب الشراب ، وأخذ الكندر والجوارشنات فإن هذا أردأ ما يكون لأن البطيخ مستعد في نفسه لأن يصير مراراً ولأن ينفذ في العروق بسرعة حتى أنه يدر البول ، وربما فتت الحصاة وهو جلاء جداً جراد وهو كاف في نفسه في أن يستحيل مراراً وينفذ إلى العروق فضلاً عن أن يحتاج أن يزاد سخونة وحدة وسرعة نفاذ ، والجوارشنات والشراب يفعل ذلك فيكون المرار المتولد عنه أحد ونفوذه أسرع ، ومن أجل ذلك أقول أنه ينبغي أن يكون قصد آكل مثل هذا البطيخ أن يتبع سرعة استحالته وأن يحدره سريعاً قبل أن ينفذ شيء منه في العروق ، وذلك يكون بأن يشرب عليه سكنجبينا مجرداً حامضاً ويتمشى مشياً رفيعاً خفيفاً طويلاً ولا ينام على الجنب الأيمن البتة حتى تنزل الطبيعة ، فإن أبطأ نزولها كل عليه السكباج والحصرمية ونحوها وامتص الرمان الحامض ونحوه ، فإن ذلك يمنع استحالته إِلى المرار وشر ما يكون إذا أخذ منه على جوع شديد ثم يؤكل بعده بسرعة ولم يؤخذ عليه شيء مما وصفنا بل ينام عليه ، فإنه عند ذلك يكاد أن يهيج حمى عرقوب اللهم إلا أن يكون الإنسان مبروداً جداً ، وليس يحتمل أن تنسب شيئاً مما قال يحيى بن ماسويه إلى شيء من مزاج أنواع البطيخ إلا الحامض منه والفقوس ، لكن ليس ينبغي أن يترك هذا الموضع بلا تمييز ولا تفصيل فإنه كما قيل : إن البطيخ الهندي مستعدّ لأن يصير بلغماً حلواً من وقته ، ولذلك لا شيء أنفع لأصحاب الحميات المحترقة والملتهبين منه ، وكذلك البطيخ الحلو النضج متهيىء لأن يصير مراراً أصفر من قرب ثم له مع ذلك سرعة النفوذ إلى العروق ، والبطيخ ينقي الكلي والمثانة وينفع من يعتاده تولد الحصى في كلاه وينبغي لهؤلاء أن يتجنبوا أن يأكلوا معه جبناً أو لبناً أو خبز فطير لأنه يسرع بتذرقة هذه إلى الكلى وليشربوا عليه الجلاب إن كانوا محرورين ، وأما من كان ملتهب المزاج جداً فإني أشير عليه أن يتجرع الخل. والبطيخ المستطيل الحامض وإن كان لا يستحيل مراراً ليس يحتاج أن يشرب عليه الشراب ولا يؤخذ عليه الجوارشنات ولا الكندر ، وذلك أن هذا البطيخ لا يؤكل للاستلذاذ بل يتداوى به المحمومون والملتهبون ، وهم ينتفعون بتبريده وهو مع حموضته لا يخلو من جلاء وجرد فإن أخذ عليه بعض هذه كان هذا ضارُّا فضلاً عن أن ينفع.
بطيخ هندي : هو البطيخ السندي وهو الدلاع أيضاً. الرازي في دفع مضار الأغذية : أما البطيخ الهندي فإنه قويّ الترطيب والتطفية مستعدّ لأن يصير بلغماً حلواً ، ولذلك صار نافعاً لأصحاب حميات الغب والمحرقة ، ومن يحتاج أن يتولد فيه بلغم رطب ليقاوم مراراً حاراً في كبده ومعدته وعروقه رديء الكيفية قليل الكمية لا يسهل إخراجه بدواء مسهل لقلته ولحوجه ولضعف البدن ونقصان لحمه ودمه ، فإنه في هذه الحال يحتاج أن يبدل مزاجه بالأشياء الحامضة ، فإن التفهة في هذا الوقت أوفق إذ كانت الحوامض لا تخلو من تقطيع وتلطيف ومثل هذا البدن لا يحتمل مثل ذلك فإن أدمت عليه السكنجبين زاده هزالاً وأضعف قوته وأوهن معدته وربما أسحج أمعاءه ، فإن أثمن عليه الحوامض التي معها قبض لم يخل من إِنفاخه والزيادة في سدد إن كانت في كبده ومسامه ولم يرطب أيضاً لأن القابض الحامض يجفف ولا يرطب ، وأما التفه لا سيما ما له غلظ جرم مع أدنى حلاوة كما عليه البطيخ الهندي فإنه يرطب ويبدل المزاج