تعالى ( مِنْ نِسائِكُمُ ) فإن الجار إن تعلق بنسائكم من قوله تعالى ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) كانت لبيان الجنس ، وتمييز المدخول به من النساء من غير المدخول به ، إذ لو جعلناها للابتداء لكان التقدير : أمهات نسائكم الكائنات من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، فينقلب المعنى إلى اشتراط الدخول بأمهات النساء وهو فاسد الوضع. وإذا علق بربائبكم من قوله تعالى ( وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ ) كانت « من » لابتداء الغاية ، كما تقول بنات رسول الله صلىاللهعليهوآله من خديجة ، وحينئذ فيمتنع تعلقه بهما معا ، حذرا من استعمال المشترك في معنييه دفعة ، وحينئذ فيتعين عوده إلى إحداهما ، ولا قائل بعوده إلى الأولى دون الأخيرة ، فيتعين الآخر ، ولأن عوده إلى الثانية اتفاقي بل منصوص ، وكذا حكمها ، بخلاف الأولى. وهذا هو الّذي تمسك به في الكشاف (١) على تعلق الجار بالثانية دون الأولى ، ثم جوّز جعل « من » لمجرد الاتصال ، على حد « من » في قوله تعالى ( الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ) (٢) إذ النساء متصلات بالنساء ، لأنهن أمهاتهن ، كما أن الربائب متصلات بأمهاتهن لأنهن بناتهن.
واعلم أنّ ابن هشام نقل في المغني عن جماعة : أن سائر معاني « من » راجعة إلى الابتداء بعد أن جعله الغالب (٣). وعلى هذا فحملها على الابتداء ممكن ولو بتكلّف ، فيقوى الإشكال في دلالة الآية. وأما الأخبار فمتعارضة من الجانبين (٤). وكيف كان فالمذهب اختصاص الوصف هنا بالثانية. والله أعلم.
__________________
(١) الكشاف ١ : ٤٩٤.
(٢) التوبة : ٦٧.
(٣) مغني اللبيب ١ : ٤١٩.
(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٥٤ أبواب ما يحرم بالمصاهرة باب ٢٠ حديث ١ ، ٢.