وكسر همزة « أيان » لغة سليم ، ولا يستفهم بها إلا عن المستقبل ، وبه جاء القرآن ، كقوله تعالى ( وَما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ ) (١).
وأما « إنّي » بتشديد النون وبالألف بعدها ، فتكون شرطا في الأمكنة بمعنى « أين » وتكون أيضا استفهاما بمعنى ثلاث كلمات ، وهي « متى » و « أين » و « كيف » قال في الارتشاف : إلا أنها بمعنى من أين ، بزيادة الحرف الدال على الابتداء ، لا بمعنى أين وحدها ؛ ألا ترى أن مريم عليهاالسلام لما قيل لها ( أَنّى لَكِ هذا ) أجابت بقولها ( هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) ولم تقل : هو عند الله ، بل لو أجابت به لم يحصل المقصود (٢).
إذا علمت ذلك ، فمن فروع القاعدة :
ما إذا قال مثلا : والله لأقولنّ لك : أنّى زيد. فإن أراد شيئا معينا من الثلاثة المتقدمة تعيّن ، وإن لم يرد ذلك ، فإن قلنا بحمل المشترك على جميع معانيه فلا بدّ من الثلاثة ، وإلا فيخرج عن العهدة بذكر واحد. ويحتمل الخروج بواحد مطلقا.
ومما يتفرع على ذلك : الاستدلال بقوله تعالى ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (٣) على جواز الوطء في الدبر ، كما قاله بعض العلماء (٤). حملا لها على معنى « أين » ويمكن دفعه بكونها مشتركة ، فلا تدل على واحد بعينه بغير قرينة ، فيجوز أن يراد بها معنى آخر لا يدل عليه. ويؤيد إرادة الكيفية ما ورد في سبب نزولها (٥).
__________________
(١) النحل : ٢١.
(٢) نقله عنه في حاشية الصبّان ٤ : ٩.
(٣) البقرة : ٢٢٣.
(٤) النهاية : ٤٨٢ ، شرائع الإسلام ٢ : ٤٩٦ ، إيضاح الفوائد ٣ : ١٢٥.
(٥) التبيان في تفسير القرآن ٢ : ٢٢٢ ، تفسير القاسمي المسمّى محاسن التأويل ٣ : ٢٣١.