فمعناه : لا تسكن ؛ واتصافه بكونه أمرا ونهيا باعتبارين ، كاتصاف الذات الواحدة بالقرب والبعد بالنسبة إلى شيئين (١).
وقيل : هو غيره ، ولكنه يدل عليه بالالتزام ، لأن الأمر دال على المنع من الترك ، ومن لوازم المنع من ذلك منعه من الأضداد ، فيكون الأمر دالا على المنع من الأضداد بالالتزام (٢). وعلى هذا فالأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده ؛ بخلاف النهي عن الشيء ، فإنه أمر بأحد أضداده كما ستعرفه.
وقيل : إنه لا يدل عليه أصلا ، لأنه قد يكون غافلا عنه كما سبق ، ويستحيل الحكم على الشيء مع الغفلة عنه (٣).
وإذا قلنا بأنه يدل ، فهل يختص بالواجب ، أم يدل أيضا أمر الندب على كراهة ضده؟ فيه قولان (٤).
ويشترط في كونه نهيا عن ضده : أن يكون مضيقا ، كما نقله جماعة (٥) وإن أطلقه آخرون (٦) ، لأنه لا بد أن ينتهي عن الترك المنهي عنه حين ورود النهي ، ولا يتصور الانتهاء عن تركه إلا مع الإتيان بالمأمور به ، فاستحال النهي مع كونه موسعا.
إذا علمت ذلك فتظهر فائدة الخلاف في مواضع :
منها : إذا قال لامرأته : إن خالفت أمري فأنت علي كظهر أمي عندنا ، أو طالق عند مجوز تعليقه على الشرط من العامة. ثم قال لها : لا تكلمي
__________________
(١) الإحكام لابن حزم ٣ : ٣٢٦.
(٢) عدة الأصول : ٧٣ ، المحصول ١ : ٢٩٣ ، الإحكام للآمدي ٢ : ١٩٢.
(٣) المستصفى١ : ٨٣ ، منتهى الوصول : ٦٩.
(٤) ذهب إلى الأول ابن حزم في الإحكام ٣ : ٣٢٧ ، وإلى الثاني الآمدي في الأحكام ٢ : ١٩٢.
(٥) عدة الأصول : ٧٣ ، مسلم الثبوت ( فواتح الرحموت ) ١ : ١٠٠ ، ونقله عن القاضي عبد الوهاب في الإبهاج ١ : ٧٩.
(٦) كما في المحصول ١ : ٢٩٣ ، وفواتح الرحموت١ : ١٠٠.