الاجسام لا يقبل العقل دخوله في العين. ويلزم أيضا ان يكون في طرفه شيء اخر مما يمكن ان ينحل منه كيفية اذا كان المرئي مما لا ينحل منه شيء كالذهب لاستحكام مزاجه ، فان (١٣٠) النار تعجز عن تفريق أجزائه ، وكلما رامت أن تصعد منه الاجزاء المائية تشبثت بها الارضية فالانسان (١٣١) مع ذلك يرى ما كان منه على البعد. وايضا يلزم ان يدخل الى عينه صورة الوف من الناس اذا نظر اليهم. وتنطبع صورهم كلهم على التمام في الجليدية من عينه. ومما يزداد به عندك تحقيقا ان المرآة الصغيرة جدا (١٣٢) لا ينطبع فيها ما عظم من الاشياء المحاذية لها الا صغيرا. والجليدية بالنسبة الى ما نراه صغيرة جدا ، بل وان أدعى في الانطباع ان اللون المعين للهواء اذا انعكس الهواء بعد ملاقات ذي اللون الى الجليدية وانطبع اللون فيها ثم تحركه العين في اقطاره ادرك مقداره بادراكه اللون ، فيرجع هذا القول الى ما نقرره بعد هذا الفصل. ولا جايز ان يدلنا غيره وغيرنا. لانه لو كان يدلنا على المرئي غيره وغير ما يخرج من اعيننا ولم يكن للعين في ذلك فعل للزم منه ان لا يمتنع بسببه فساد العين وعدم ابصارها اذا غمضت او عميت. ولما امتنع ذلك دل على انه ليس كذلك. فلم يبق الا ان يخرج من أعيننا شيء يدرك المرئي. لكن لا وحده فان العقل يشهد ان قوة الانسان لا تبلغ ان تصعد الى موضع ما يدركه من الكواكب والاجرام السماوية ، لا ولو كان الانسان كله روحا باصرا لكن الهواء المحيط بابدان الناس متى كان صافيا صار البصر آلة يقوم مقام العصبة ، وذلك لقبوله من ملاقاة الروح الباصر أياه كقبوله من نور الشمس. وكما ان نور الشمس
_________________
١٣٠) في الاصل : فأن الرأي نعجز عن تفريق اجزايه : وقد جاء التصحيح لذلك في الهامش
١٣١) في الاصل : فامسان
١٣٢) في الاصل المراه الصغيره