بين النهرين مشكلاً في هذا المكان خطراً كبيراً حتى على الملاحة بواسطة الأكلاك والأطواف (١) التي تستخدم القرب المنفوخة بالهواء (٢). ولا يصبح دجلة صالحاً للملاحة إلّا ابتداء من تكريت التي ينساح فيها النهر عريضاً بعد أن يصل إلى متسع رحب مكوناً العديد من الجزر حيث تكثر في موسم الفيضانات أسراب الطيور المائية الكثيرة العدد وحيث يعمد العرب القاطنين على الضفاف إلى زراعة بساتين الخضار (٣) في موسم نقصان المياه.
ويستمر جريان دجلة منذ اللحظة التي يخرج فيها إلى السهل وحتى القرنة باتجاه يوازي جبال فارس الواقعة على الحدود والتي ترسل إليه كلّ جداولها الكبيرة منها كديالى والصغيرة كمندلي وبدرة وطيب ودويريج. يصل النهر وهو يجري بسرعة إلى بغداد عاصمة العباسيين سابقاً، ثم يدفع مياهه العكرة بعد ذلك لتجري بالقرب من إطلال العاصمتين القديمتين طيسفون وسلوقيا الواقعتين على جانبي النهر إحداهما مقابل الأخرى فكان ذلك سبباً دفع العرب إلى تسمية هذا الموضع بـ (المدائن) أي المدينتين (٤).
______________________
(١) F. R. Chesney. OP. cit. VoI.I. P. ١٦ FF.
(٣) الحقيقة هي أن الأكلاك غير الأطواف فالأولى هي التي تستخدم فيها القرب المنفوخة بالهواء، أما الثانية فلا تستعمل فيها هذه القرب وإنما تعتمد على قابلية الخشب على الطوفان. (المترجم).
(٣) يقصد المؤلف ما يسمى بالعامية (الشواطي) أو (الشطاطي) أي الرقي والبطيخ والخيار وغير ذلك مما يزرعونه على ضفة النهر في تلك المناطق. (المترجم).
(٤) المدائن لا تعني
المدينتين، وإنما تعني المدن طبعاً. وبالفعل فقد أطلق عليها هذا الاسم لأنها تتألف من عدة مدن. يذكر صاحب معجم البلدان إنها كانت مسكناً لعدد من الملوك المختلفين «فكان كلّ واحد منهم إذا ملك بنى لنفسه