واعلم أن الشيخ رحمهالله في المبسوط (١) حكم بصحة اليمين منه في حال كفره ، ولم يحكم بصحة تكفيره حالة كفره. وحكم في الخلاف (٢) ببطلانهما ، وهو قول أبي حنيفة ، الا أنه قال بعد ذلك : واستدل الشافعي بظواهر الاخبار وحملها على عمومها ، وهو قوي يمكن اعتماده.
والتحقيق أن يقال : موجبات الكفر مختلفة ، فقد يكون انكار مؤثر مختار أو وحدانيته وما في معناهما ، وقد يكون نبوة محمد عليهالسلام ، وقد يكون انكار إمامة من يقوم مقامه ، فالاول لا يصح منه التكفير ، لكونه غير عارف بالله ، ولا يلزم مثله في الثاني والثالث.
قال رحمهالله : اذا حلف لا يأكل طعاما اشتراه زيد ، لم يحنث بأكل ما يشتريه زيد وعمرو ، ولو اقتسماه على تردد.
أقول : منشؤه : النظر الى أصالة براءة الذمة من وجوب التكفير ، ترك العمل بها في صورة الاكل من الطعام الذي يختص بشرائه زيد ، لتحقق الحنث حينئذ ، فيبقى معمولا به فيما عداه ، ولان اليمين انما تناولت الطعام الذي يستقل باشترائه زيد ، وهو غير موجود هاهنا ، أما قبل القسمة فظاهر ، وأما بعد القسمة فلانه وان كان قد صار هذا القدر المقسوم مختصا بزيد ، فهو غير مختص بشرائه ، وهو اختيار المتأخر.
والالتفات الى أن الطعام قد اشترياه صفقة واحدة ، فيكون كل واحد قد اشترى بصفة ، بدليل أنه يلزم كل واحد ثمن النصف ، واذا ثبت ذلك وأكل من الطعام حنث ، لانه قد أكل من طعام يصدق عليه أنه اشتراه زيد ، كما لو حلف لا أكلت رغيف زيد ، فأطبق عليه رغيف عمرو فأكلهما حنث ، لانه قد أكل رغيف زيد وان
__________________
(١) المبسوط ٦ / ١٩٤.
(٢) الخلاف ٢ / ٥٥٢.