وغلت الفلاسفة فقالت : بعدم الروح.
وعن جمهور الاطباء : هو البخار اللطيف الساري في البدن.
وقال كثيرون من شيوخ القاضي عياض : هو الحياة.
وقال آخرون : هي أجسام لطيفة مشابكة للجسم يحيى لحياته أجرى الله تعالى العادة بموت الجسم عند فراقه.
وقيل : هو بعض الجسم ، ولهذا وصف بالخروج والقبض وبلوغ الحلقوم وقال بعض متقدمي أئمة القاضي : هو جسم لطيف متصوّر على صورة الانسان داخل الجسم.
وقال بعض مشايخه وغيرهم : انّه النفس الداخل والخارج.
وقال آخرون : هو الدم.
يقول النووي ـ بعد نقل الاَقوال المذكورة ـ : والاَصح عند أصحابنا ، انّ الاَرواح أجسام لطيفة متخلّلة في البدن فاذا فارقته مات (١).
أقول : والحق انّ الروح والنفس موجود واحد وحقيقته مجهولة ، وما أوتينا من العلم إلاّ قليلاً وبهذا القليل نعلم انّ الروح غير داخل في البدن ، وتعلّقه بالبدن تعلّق تدبيري ، لا كتعلق الراكب والمركوب ولا كتعلق الظرف والمظروف. ثم انّ البراهين العقلية تشهد بتجرّد الروح ونفي جسمانيّته ، وإن كان المشهور بين المتكلمين انّه جسم لطيف.
وعلى كل ، أكثر الاَقوال المتقدّمة ضعيفة صدرت عمّن لا خبرة لهم ، وأمّا الظواهر النقلية فلا بدّ من تأويلها بوجه حسن ان تمت البراهين على التجرد ، ثم انّ المتنعم والمعذّب هو الروح المدرك ، ونحن وان نعتقد بانّ الحشر في المعاد جسماني لكنّه لاَجل التعبّد بالقرآن الكريم والجسم لا
__________________
(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٣ : ٣١ ـ ٣٣.