آخر حيث انه مخصوص بالتبليغ فلعله قد بلغهما نص صريح فيه ولم يعملا فيه بالبراءة الأصلية ، والتبليغ ليس بواجب علينا فالدليل مبني على القياس إذ لا عموم له بحيث يشمل غير التبليغ.
ثم يقال للمعاصر انهما عليهماالسلام ما كان يعملان الا بالنص الصريح لا باجتهاد ولا ظن ولا دليل عقلي ظني ولا دليل نقلي ظني السند ولا ظني الدلالة ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلّا وَحْيٌ يُوحى ) فعلم انهما كانا من الأخباريين لا من الأصوليين المجتهدين فوجب أتباعهما بنص الكتاب والسنة ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) ـ ( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) فقد انقلب دليله عليه والنصوص المتواترة صريحة فيما قلناه وكذلك باقي الأنبياء والأئمة عليهمالسلام ألا ترى الى قول نبينا صلىاللهعليهوآله ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه وما زال يوصيني بالمرئة حتى ظننت انه لا ينبغي طلاقها الا من فاحشة مبينة وما زال يوصيني بالسواك حتى ظننت انه سيجعله فريضة ، وما زال يوصيني بالمملوك حتى ظننت انه سيجعل له أمدا يعتق فيه.
رواه الصدوق في الفقيه (١) وغيره من محدثينا في الكتب المعتمدة ومثله كثير مما تضمن لفظ الظن ومعلوم انه عليهالسلام لم يعمل بهذا الظن الشريف ولم يحكم به ولم يكن أيضا مطابقا للواقع في شيء من المواضع الأربعة فما الظن بالظن السخيف الحاصل لغيره.
والحاصل ان البراءة الأصلية دليل عقلي ظني لا يجوز الاستدلال عليه بدليل ظني ودليله الذي أوردوه في الأصول قياس ظاهر البطلان قد أوردناه في محله واجبنا عنه.
وان قيل ما الفرق بين مقام الوجوب والتحريم أليس ما دل على أحدهما دل على الأخر فإن ترك الواجب حرام وترك الحرام واجب.
قلنا : الفرق من وجوه كثيرة نذكر منها اثنى عشر :
أحدها : انه لم يقل أحد من العقلاء بأن الأصل في كلشيء الوجوب حتى يثبت عدمه وقد قال كثير من العقلاء والعلماء بأن الأصل في كل شيء التحريم الا
__________________
(١) الفقيه ج ١ ص ٥٢