عن الرجس ، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة ، وترك السرقة إيجابا للعفّة ، وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبيّة ، فاتّقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون ، وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه ، فإنّه إنّما يخشى الله من عباده العلماء.
ثُمّ قالت : أيّها الناس اعلموا أنّي فاطمة ، وأبي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أقول عوداً وبدواً ، ولا أقول ما أقول غلطاً ، ولا أفعل شططاً (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (١) ، فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم ، وأخا ابن عمّي دون رجالكم ، ولنعم المعزّى إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة مائلاً عن مدرجة المشركين ، ضارباً ثبجهم ، آخذاً بأكظامهم ، داعياً إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة ، يجفُ الأصنام ، وينكثُ الهام ، حتّى انهزم الجمع وولّوا الدبر ، حتّى تفرّى الليل عن صبحه ، وأسفر الحقّ عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست شقاشق الشياطين ، وطاح وشيظ النفاق ، وانحلّت عقد الكفر والشقاق ، وفهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص ، وكنتم على شفا حفرة من النار ، مذقة الشارب ، ونهزة الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطئ الأقدام ، تشربون الطرق ، وتقتاتون القد ، أذلّة خاسئين ، تخافون أنْ يتخطّفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد اللتيا والتي ، وبعد أنْ مني ببهم الرجال ، وذؤبأنّ العرب ، ومردة أهل الكتاب ، كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ، أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتّى يطأ جناحها بأخمصه ، يخمد لهبها بسيفه ، مكدوداً في ذات الله ، مجتهداً في أمر الله ، قريباً من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سيّداً في أولياء الله ، مشمّراً ناصحاً مجدّاً كادحاً ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون ، تتربصون بنا الدوائر ، وتتوكفون الأخبار ، وتنكصون عند النزال ، وتفرّون من القتال ، فلمّا اختار الله لنبيّه دار أنبيائه ، ومأوى أصفيائه ، ظهر
__________________
(١) التوبة : ١٢٨.