رأت الزهراء عليهاالسلام أنّ الواجب يفرض عليها أنْ تقف مع الحقّ ، وتقول كلمة الحقّ ، وكذا خرجت إلى مسجد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ووقفت أمام جموع المهاجرين والأنصار ، وخطبت بهذه الخطبة القيّمة.
خطبة الزهراء في الردّ على أبي بكر وعمر :
لمّا أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة عليهاالسلام فدكاً ، وبلغها ذلك ، لاثت خمارها على رأسها ، واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها ، تطأ ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حتّى دخلت على أبي بكر ، وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنيطت دونها ملاءة ، فجلست ، ثُمّ أنّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء ، فأرتجّ المجلس ثُمّ أمهلت هنيئة ، حتّى إذا سكن نشيج القوم ، وهدأت فورتهم ، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله ، فعاد القوم في بكائهم ، فلمّا أمسكوا ، عادت في كلامها ، فقالت : الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر على ما ألهم ، والثناء بما قدّم من عموم نعم ابتدأها ، وسبوغ آلاء أسداها ، وتمام منن أولاها ، جمّ عن الإحصاء عددها ، ونأى عن الجزاء أمدها ، وتفاوت عن الإدراك أبدها ، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها ، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها ، وثنّى بالندب إلى أمثالها ، وأشهد أنْ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، كلمة جُعل الإخلاص تأويلها ، وضمن القلوب موصولها ، وأنار في التفكير معقولها ، الممتنع من الأبصار رؤيته ، ومن الألسن صفته ، ومن الأوهام كيفيّته ، ابتدع الأشياء لا من شيء من قبلها ، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها ، كوّنها بقدرته ، وذراها بمشيّته من غير حاجة منه إلى تكوينها ، ولا فائدة له في تصويرها ، إلا تثبيتا لحكمته ، وتنبيها على طاعته ، وإظهاراً لقدرته ، وتعبّداً لبريّته ، واعزازاً لدعوته ، ثُمّ جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ذيادة لعباده من نقمته ، وحياشة لهم إلى جنّته ، وأشهد أنّ أبي محمّداً عبده ورسوله ، اختاره قبل أنْ أرسله ، وسمّاه قبل أنْ اجتباه ، واصطفاه قبل أنْ ابتعثه ، إذ الخلائق بالغيب مكنونة ،