فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنا فيه ، شبيها بضوء المشعل ورأيت الباب قد انفتح ، ولا أرى أحدا فتحه من أهل الدار ، ورأيت رجلا ربعة اسمر إلى الصفرة ، ماهو قليل اللحم ، في وجهه سجادة ، عليه قميصان ، وإزار رقيق قد تقنع به ، وفي رجليه نعل طاق ، فصعد إلى غرفة في الدار ، حيث كانت العجوز تسكن وكانت تقول لنا : إن في الغرفة ابنته لا تدع أحدا يصعد إليها فكنت أرى الضوء الذي رأيته يضئ في الرواق على الدرجة عند صعود الرجل إلى الغرفة التي يصعدها ثم اراه في الغرفة من غير أن أرى السراج بعينه ، وكان الذين معي يرون مثل ما ارى فتوهموا أن يكون هذا الرجل يختلف إلى ابنة العجوز ، وأن يكون قد تمتع بها فقالوا : هؤلاء العلوية يرون المتعة ، وهذا حرام لا يحل فيما زعموا ، وكنا نراه يدخل ويخرج ويجئ إلى الباب وإذا الحجر على حاله الذي تركناه ، وكنانغلق هذا الباب خوفا على متاعنا وكنا لا نرى أحدا يفتحه ولا يغلقه ، والرجل يدخل ويخرج ، والحجر خلف الباب إلى وقت ننحيه إذا خرجنا.
فلما رأيت هذه الاسباب ضرب على قلبي ، ووقعت في نفسي هيبة ، فتلطفت العجوز ، وأحببت أن أقف على خبر الرجل ، فقلت لها : يا فلانة إني أحب أن اسألك وأفاوضك من غير حضور من معي ، فلا أقدر عليه ، فأنا احب إذا رأيتني في الدار وحدي أن تنزل إلي لاسألك عن أمر ، فقال لي مسرعة : وأنا اريد أن اسر إليك شيئا فلم يتهيأ لي ذلك من أجل اصحابك ، فقلت ما أردت أن تقول؟ فقالت : يقول لك ولم تذكر أحدا لا تحاشن أصحابك وشركاءك ولا تلاحهم فانهم أعداؤك ودارهم (١) فقلت لها : من يقول؟ فقالت : أنا اقول ، فلم اجسر لما دخل قلبي من الهيبة أن أراجعها.
فقلت : اي أصحابي تعنين؟ وظننت أنها تعني رفقائي الذين كانوا حجاجا معي فقالت : شركاؤك الذين في بلدك وفي الدار معك ، وكان جرى بيني وبين الذين معي في الدار عتب في الدين ، فسعوا بي حتى هربت واستترت بذلك السبب فوقفت على أنها عنت أوليالئك ، فقلت لها : ما تكونين أنت من الرضا؟ فقالت : أنا كنت خادمة للحسن
__________________
(١) حاشنه : شاتمه وسابه ، والملاحاة : المنازعة ضد المداراة.