« و » يا من « بعد عن ملاحظة العيون » يلوح منه أن الله تعالى يمكن إدراكه بالعقل ولا يمكن إبصاره بالعين ، كماهو مذهب المعتزلة ، ويؤيده قوله تعالى « لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار » (١) والتحقيق أنه لا يمكن أن يحوم الابصار حول جنابه في مرتبة إطلاقه ، وإن أمكن إبصاره في مرتبة التمثل والتنزل إلى مراتب الظهور ، ومدارج البروز ، ولذا قال النبي صلىاللهعليهوآله إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ، لا تضامنون في رؤيته ، والكلام السابق ينادي بأنه عليهالسلام في هذا المقام بصدد التنزية ، فاللائق به نفي الابصار ، ولا يبقى في هذا المشهد السني نزاع بين الاشاعرة والمعتزلة في مسألة اللقاء وفي بعض النسخ « وكان بلا كيف مكنون » أي مستور عن العقول ، فكيف بالكيف الظاهر ، و « لا كيف » ههنا بمنزلة كلمة واحدة ، ولذا دخل عليه حرف الجر وجعلها مجرورة.
« و » يا من » علم بما كان قبل أن يكون « الكون المستعمل ههنا تام أي تعلق علمه بما وجد في الخارج ، قبل أن يوجد فيه ، وذلك لان لجميع الاشياء صورا علمية أزلية في ذات الحق ويسمى تلك الصور أعيانا ثابتة وشؤنا إلهية ، وهي التي سماها الحكماء بالماهيات ، وتخرج من مكمن الغيب العلمي إلى مشهد الشهادة العينية تدريجا على حسب استعداداتها.
« يا من ارقدني » اي أنامني قبل هذا الصباح « في مهاد أمنه وأمانه » المهد مهد الصبي ، والمهاد الفراش ، والامن طمأنينة النفس وزوال الخوف ، والامان والامانة في الاصل مصدران ، وقد يستعمل الامان في الحالة التي يكون عليها الانسان في الامن.
« و » يامن » أيقظني « اي نبهني من النوم متوجها » إلى ما منحني « اي أعطاني يقال : منحه يمنحه ويمنحه بالفتح والكسر والاسم المنحة بالكسر ، وهي العطية » به « الضمير راجع إلى ما » من مننه وإحسانه » بيان لما ، والمنن جمع منة ، وهي النعمة الثقيلة.
__________________
(١) الانعام : ١٠٣.