وأما الرد على من قال بالاجتهاد : فانهم يزعمون أن كل مجتهد مصيب على أنهم لا يقولون مع اجتهادهم أصابوا معنى حقيقة الحق عند الله عزوجل لانهم في حال اجتهادهم ينتقلون من اجتهاد إلى اجتهاد ، واحتجاجهم أن الحكم به قاطع ، قول باطل منقطع منتقض ، فأي دليل أدل من هذا على ضعف اعتقاد من قال بالاجتهاد والرأي إذكان حالهم تؤول إلى ماوصفناه.
وزعموا أيضا أنه محال أن يجتهدوا فيذهب الحق من جماعتهم وقولهم بذلك فاسد ، لانهم إن اجتهدوا فاختلفوا فالتقصير واقع بهم ، وأعجب من هذا أنهم يقولون مع قولهم بالاجتهاد والرأي : إن الله تعالى بهذا المذهب لم يكلفهم إلا بما يطيقونه وكلام النبي صلىاللهعليهوآله.
واحتجوا بقول الله تعالى : « وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره » (١) وهو بزعمهم وجه الاجتهاد ، وغلطوا في هذا التأويل غلطا بينا.
قالوا : ومن قول الرسول : ماقاله لمعاذ بن جبل ، وادعوا أنه أجاز ذلك والصحيح أن الله سبحانه لم يكلف العباد اجتهادا لانه قد نصب لهم أدلة ، وأقام لهم أعلاما ، وأثبت عليهم الحجة ، فمحال أن يضطرهم إلى مالا يطيقون بعد إرساله إليهم الرسل بتفصيل الحلال والحرام ، ولم يتركهم سدى ، ومهما عجزوا عنه ردوه إلى الرسل والائمة صلوات الله عليهم وهو يقول : « ما فرطنا في الكتاب من شئ » (٢) ويقول : « اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي » (٣) ويقول سبحانه « فيه تبيان كل شئ » (٤).
ومن الدليل على فساد قولهم في الاجتهاد والرأي والقياس أنه لن يخلو الشئ أن يكون تمثيلا على أصل أو يستخرج البحث عنه ، فإن كان بحث عنه فانه لا يجوز في عدل الله تعالى تكليف العباد ذلك ، وإن كان تمثيلا على أصل ، فلن يخلو
__________________
(١) البقرة : ١٤٤.
(٢) الانعام : ٣٨.
(٣) المائدة : ٣.
(٤) النحل : ٨٩ ، ونصها : « ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ ».