فاضطره ذلك أن يكتم على نفسه ، فمخون الله تعالى في عباده يحتاج إلى من يطهره باقامة الحد عليه ، فهو حينئذ إمام مأموم ، وأما إذا لم يكن عالما بجميع ما فرضه الله تعالى في كتابه وغيره ، قلب الفرائض فأحل ما حرم الله ، فضل وأضل ، وإذا لم يكن أشجع الناس سقط فرض إمامته لانه في الحرب فئة للمسلمين فلوفر لدخل فيمن قال الله تعالى : « ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله » (١) وإذا لم يكن أكرم الناس نفسا دعاه البخل والشح إلى أن يمد يده فيأخذ فيئ المسلمين ، لانه خازنهم وأمينهم على جميع أموالهم من الغنائم والخراج والجزية والفئ.
فلهذه العلل يتميز من سائر الامة ، ولم يكن الله ليأمر بطاعة من لا يعرف أوامره ونواهيه ، ولا أن يولي عليهم الجاهل الذي لاعلم له ، ولا ليجعل الناقص حجة على الفاضل ولوكان ذلك لجاز لاهل العلل والاسقام أن يأخذوا الادوية ممن ليس بعارف منافع الاجساد ، ومضارها ، فتتلف أنفسهم ، ولو أن رجلا أراد أن يشتري ما يصلح به من متاع وغيره ، لكان من حزم الرأي أن يستعين بالتاجر البصير بالتجارة ، فيكون ذلك أحوط عليه.
وإذا كان جميع ذلك لا يصلح في هذه الاشياء الدنياوية فأحرى أن يقصد الامام العادل في الاسباب كلها التي يتوصل بها إلى امور الآخرة ، فتميز بين الامام العادل والجاهل.
وروى عمر بن الخطاب أنه اختصم إليه رجلان فحكم لاحدهما على الآخر فقال المحكوم له : بالله لقد حكمت بالحق ، فعلاه عمر بدرته وقال له : ثكتك امك والله مايدري عمر أصاب أم أخطأ ، وإنما رأي رأيته. هذا مع ما تقدمه من قول أبي بكر : وليتكم ولست بخيركم ، وإن لي شيطانا يعتريني ، فاذا ملت فقو موني فاذا غضبت فاجتنبوني لا أمثل في أشعاركم وأبشاركم ، فاحتج التابعون لهما لانفسهم بأن قالوا : لنا اسوة بالسلف الماضي ، لما عجزوا من تأدية حقائق الاحكام ، فلهذه
__________________
(١) الانفال : ١٦.