الفطن البصير إلى مؤدب موقف يوقفه على منافعه ، ويعلمه مايضره ، ولما كانت بنية الناس وما خلقهم الله بهذه الصفة لابد أن يكون عندهم علم كثير من الاغذية التي تقوم بها أبدانهم ، لانها سبب حياتهم ، وكان البهائم في ذلك أهدى منهم ، ثبت ما أوردناه من الامر والنهي اللذين يتبعهما الثواب والعقاب.
قال المعترض : وقد وجدنا بعض البهائم يأكل مايكون هلا كه فيه من السمام القاتلة ، فلو كان هذا كما ذكرتم من أنها تعرف الضار من النافع بالشم والتنسم لما أصابهم ذلك.
قيل : هذا الذي ذكرتم لا يكون على العموم ، وإنما يكون في الواحد بعد الواحد لعلة ما لانه ربما اضطره الجوع الشديد إلى أكل ما يكون فيه هلاكه ، أو لاختلاط جميع أنواع الحشايش بعضها ببعض كما أنا قد نجد الرجل العاقل قد يقف على مايضره من الاطعمة ، ثم يأكله إما لجوع غالب أو لعلة يحدث أو سكر يزيل عقله ، أو آفة من الآفات ، فيأكل ما يعلم أنه يسقمه ويضره ، وربما كان تلف نفسه فيه ، وإذا كان هذا موجودا في الانسان الفطن العاقل ، فأحرى أن يجوز مثله في البهائم.
ووجه آخر وهو أن الله سبحانه إذا أراد قضاء أجله خلى بينه وبين الحال التي بمثلها يتم عليه ذلك ، ومثل هذا يعرض دون العادة العامة ، ولانا قد نرى الفراخ من الدجاج وما يجري مجراها من أجناس الطير يخرج من البيضة فتلقى له السموم من الحبوب القاتلة مثل حب البنج والسناء ، فيحتذر عنه وإذا القي عليه غذاؤها بادرت إليه فأكلته ولم يتوقف عنه ، فبطل الاعتراض.
ولما ثبت لنا أن قوام الامة بالامر والنهي الوارد عن الله عزوجل صح لنا أنه لابد للناس من رسول من عند الله ، فيه صفات يتميز بها من جميع الخلق منها العصمة من سائر الذنوب وإظهار المعجزات وبيان الدلالات لنفي الشبهات طاهر مطهر متصل بملكوت الله سبحانه غير منفصل ، لانه لا يؤدي عن الله عز وجل إلى خلقه إلا من كانت هذه صفته ، فصح موضع المأمومين الذين لا عصمة لهم