الكلامية مناهجها ، وإن لم تكن في المجمل قد بلغت رغبته في تناقل العلم بين الناس ، لكنها أثرت في تراث الإنسانية مخزوناً عظيماً من الكتب والبحوث العقائدية والفلسفية.
وفي عروج موجز على الكيفية التي رسم من خلالها للناس طريق التعرّف على الله تعالى ، نجده يوزّع على القلوب مراتب تندرج معها نحو معرفته ، يمكن أن نلاحظ أن يفتح باباً للدخول في هذا العالم من جهة الخضوع لله تعالى والاستكانة إلى قراره ، ومن جهة أخرى يوسع على المدارك كيفية معرفته ، ويحذر في مواطن عديدة من مغبة الخوض في غمرات الجهل ، باعمال العقل في سبيل ادراك كنهه ، يقول : « فتبارك الله الذي لا تبلغه بعد الهمم ، ولا يناله حدس الفطن ، الأوّل الذي لا غاية له فينتهي ، ولا آخر له فينقضي » (١).
وفي سبيل اعطاء منتهى الغاية من وراء البحث في معرفة ذات الله تعالى يوقف الإمام القدرة على هذا ، ويرجعها إلى أن الذي أمر الله تعالى الناس به هو الذي يكفيهم مؤونة التفكّر والعمل ، يقول لنا : « فانظر أيّها السائل : فما دلك القرآن عليه من صفته فائتمّ به ، واستضيئ بنور هدايته ، وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه ، ولا في سنّة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وأئمة الهدى أثره ، فَكِلْ علمه إلى الله سبحانه ، فإنّ ذلك منتهى حق الله عليك » (٢).
__________________
١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ٩٣.
٢ ـ نهج البلاغة : الخطبة ٩٠.