الآن بعمق ماهية الفارق بين الإمامة التي ينظر إليها الناس على أنها شكل من أشكال التقدم في شؤون العمل الحياتي ، أياً كان هذا العمل ، وبين الإمامة التي هي مقام حمل راية الحق ، راية النور ، المقام الذي يخرج به الله تعالى الناس من الظلمات ، وهذا منصب لا يُعطى لأحد إلاّ بالمشيئة والقرار الإلهي.
كيف ذلك؟ نستمع إلى هذا الكلام المبارك من قوله تعالى : ( إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ) (١) ، إنّ مفهوم الاصطفاء الإلهي هنا لا ينازع ، بمعنى لا مدخلية للمخلوقين في إقراره أو عدمه ، فالمنطق الذي يحكم حمل راية الحق هو منطق الحكمة الإلهية ، وإذا كان الله مولى الذين آمنوا ( يخرجهم من الظلمات إلى النور ) (٢) قد أنجز مشيئته في وضع الهداة إليه وحمله راية نوره ، فالحق في الإقرار بهذا أو نفيه ليس من صلاحيات البشر.
ولقد ثبت على أرض الواقع أنّ هؤلاء الذين اصطفاهم سبحانه هم الذين أنجزوا مشروع الدين في الناس على مدار الأزمنة ، وإذا أراد المرء أن يتابع حركة مسيرتهم ، فإنه لن يقف على خلاف الحق ، ولن يجد فيهم الزيغ عنه قيد أنملة ، لا لأنّها وظيفة يمارسونها ،
__________________
١ ـ آل عمران : ٣٣.
٢ ـ البقرة : ٢٥٧ ، المائدة : ١٦.