صلىاللهعليهوآله ، وقد فرغ إلى الخلق من احكام الهدى به ، فعظموا منه سبحانه ما عظم من نفسه ، فانه لم يخف عنكم شيئا من دينه ، ولم يترك شيئا رضيه أو كرهه إلا وجعل له علما باديا ، وآية محكمة تزجر عنه ، أو تدعو إليه ، فرضاه فيما بقي واحد ، وسخطه فيما بقي واحد (١).
٢١ ـ ومن خطبة طويلة له عليهالسلام : ثم أنزل عليه الكتاب نورا لا تطفا مصابيحه وسراجا لا يخبو توقده ، وبحرا لا يدرك قعره ، ومنها جا لا يضل نهجه ، وشعاعا لا يظلم ضوؤه ، وفرقانا لا يخمد برهانه ، وتبيانا لا تهد أركانه ، وشفاء لا تخشى أسقامه ، وعزا لا تهزم أنصاره ، وحقا لا تخذل أعوانه ، فهو معدن الايمان وبحبوحته وينابيع العلم وبحوره ، ورياض العدل وغدرانه (٢) وأثا في الاسلام وبنيانه وأودية الحق وغيطانه (٣) وبحر لا ينزفه المستنزفون ، وعيون لا ينضبها الماتحون (٤) ومناهل لا يغيضها الواردون ، ومنازل لا يضل نهجها المسافرون وأعلام لا يعمى عنها السائرون ، وآكام لايجوز عنها القاصدون ، جعله الله ريا لعطش العلماء ، وربيعا لقلوب الفقهاء ، ومحاج لطرق الصلحاء ، ودواء ليس بعده
____________________
(١) نهج البلاغة الرقم ١٨١ من الخطب.
(٢) الغدران جمع غدير ، وهو القطعة من الماء يغادرها السيل ، والاثافى جمع الاثفية ، وهى الاحجار الثلاثة التى يوضع عليه القدر ليطبخ.
(٣) الغيطان : جمع الغوط بالفتح وهو المطمئن الواسع من الارض يجتمع ويسيل اليه الماء من كل جانب كالغدير.
(٤) الماتح : الذى ينزع الماء من الحوض ، وفى بعض المائحون والمائح : الذى يدخل البئر لنزع الماء لعدم الرشاء أو لقلة الماء فيملاء الدلو بالاغتراف باليد ، والذى ينزع الدلو من فوق البئر يسمى ماتح ، وسئل الاصمعى عن المتح والميح فقال : الفوق للفوق والتحت للتحت ، يعنى أن المتح أن يستقى وهو على رأس البئر ، والميح أن يملاء الدلو وهو في قعرها ومن أمثالهم : هو أعرف به من المائح باست الماتح.
ويقال : نضب البئر ، أى غار ماؤها في الارض ، ومثله غاض.