بعد ذلك : ( لا تعذّبوا بعذاب الله ) (١) ، و ( من بدّل دينه فأقتلوه )؟
فتبيّن لنا بعد هذا العرض والتحقيق ، ما صحّ عندنا في مسألة التحريق وما لفها ولحقها من التلفيق ، فلا تنديد ولا تنقيد.
قال السيد المدنى في ( الدرجات الرفيعة ) : ( ( ومن مناكير العامة ) ما رووه عن عكرمة أنّ عليّاً عليه السلام أحرق أناساً ارتدوا ، فبلغ ذلك ابن عباس ، فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم بالنار ، وانّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لا تعذّبوا بعذاب الله ) ، ولقتلتهم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) ، فبلغ ذلك عليّاً فقال : ( ويح ابن أم الفضل إنّه لغواص ) ، وندم على إحراقهم.
قال : شيخنا المفيد ( قدس الله روحه ) : وهذا من أظرف شيء سُمع وأعجبه! وذلك أنّ ابن عباس أحد تلامذته والآخذين العلم عنه ، وهو الذي كان يقول : ( كان أمير المؤمنين عليه السلام يجلس بيننا كأحدنا ويداعبنا ويبسطنا ويقول والله ما ملأت طرفي منه قط هيبة له ) ، فكيف يجوز من مثل من وصفناه التقدم على أمير المؤمنين في الفتيا وإظهار الخلاف عليه في الدين ، لا سيما في الحال التي هو مظهر له فيه الإتباع والتعظيم والتبجيل ، وكيف ندم على إحراقهم وقد أحرق في آخر زمانه عليه السلام الأحد عشر الذين ادعوا فيه الربوبية ، أفتراه ندم على ندمه الأوّل؟ كلا ولكن الناصبة تتعلق بالهباء المنثور.
____________________
(١) بماذا يجيب علماء التبرير عن حريق عمر بيت رويشد الثقفي لأنه كان يبيع الخمر ، ( مواهب الجليل الحطاب الرعيني ٧ / ٢٦٧ ط دار الكتب العلمية بيروت ، وحاشية ابن عابدين رد المحتار ٤ / ٢٣٣ ط دار الفكر بيروت )؟
وبماذا يجيبون عن حرق خالد لرجل يوطأ كما توطأ المرأة وذلك بأمر أبي بكر وإشارة من الإمام عليه في ذلك ، ثم حرقهما ـ الفاعل والمفعول به ـ وحرق ابن الزبير في زمانه ، ثم حرقهما هشام بن عبد الملك ثم حرقهما القسري بالعراق. ( راجع المحلى ١١ / ٣٨٠ ـ ٣٨١ ).