أقول : قوله : « يشك كثيرا » يحتلم وجهين : أحدهما كثرة أفراد الشك أي يقع منه الشك كثيرا حتى يبلغ إلى حد لا يعرف عدد الركعات أصلا ، والثاني أن يكون المراد كثرة أطراف الشك ومحتملاته.
فعلى الاول يشكل حكمه عليهالسلام باعادة الصلاة مع حصول كثرة الشك إذ ظاهر الاخبار والاصحاب وجوب عدم الالتفات إليه حينئذ كما ستعلمه ، وآخر هذا الخبر أيضا يدل على ذلك بأبلغ وجه ، وعلى الثاني يستقيم الجواب على المشهور إذ صدور مثل هذا الشك ، لا يدل على كون صاحبه كثير الشك ، ولا يدخل هذا في شئ من المعاني التى سنذكرها لكثرته ، وعلى هذا يستقيم إعادة سؤال السائل أيضا إذ حمله على أنه أعاد ما سأله أولا بعيد.
واحتمل المحقق الادربيلي ـ ره ـ الاحتمال الاول ، وبنى الخبر على ما اختاره من التخيير في الحكم بأن يكون حكم كثير الشك التخيير بين العمل بالشك وعدم الالتفات إليه ، فأمره عليهالسلام أولا بالاعادة ، ثم لما بالغ في الكثرة أمره عليهالسلام بعدم الالتفات إليه.
ولا يخفى بعد هذا الوجه ، إذا نهيه عليهالسلام عن تعويد الخبيث وأمره بالامضاء ، ونهيه عن إكثار نقض الصلاة ، وذكر التعليلات المؤكدة للحكم تأبى عن التخيير ، وأيضا لو لم يدل على الوجوب فلا شك في دلالته على الاستحباب المؤكد ، فكيف أمره عليهالسلام أولا بخلافه؟ إلا أن يقال بالفرق بين مرات كثرة الشك واستحباب العمل بالشك في بعضها [ واستحباب عدم الالتفات في بعضها ] ، ولم يقل به أحد.
بل لم يعلم قول بالتخيير أيضا إلا ما يفهم من كلام الشهيد ـ ره ـ في الذكرى ، حيث قال : لو أتى بعد الحكم بالكثرة بما شك فيه ، فالظاهر بطلان صلاته ، لانه في حكم الزيادة في الصلاة متعمد إلا أن يقال : هذا رخصة لقول الباقر عليهالسلام « فامض في صلاتك فانه يوشك أن يدعك الشيطان » إذ الرخصة هنا غير واجبة انتهى ، ولا يخفى ما فيه ، وعدم دلالة الحديث على ما يدعيه.