لأنواع الإنتفاع ،
التي جمعها عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.
فقلت : يا للّه العجب! من هذا الرجل
وهوعلاّمة زمانه ، ووحيد أقرانه ، مع تقدّمه في العلم ، وتسنّمه ذروة الفهم ، وقربه
من الصّدر الأوّل ، وضربه في الفضل بالقدح الأفضل ، والقسط الأجزل ، كيف غشى عن
البدر المنير؟ ورضي من الكثير باليسير؟ وهل ذلك إلاّ بعض من كلّ؟ وقلّ من جلّ ،
وطلّ من وبل.
وإنّي ـ مع كسوف البال والقصورعن رتبة
الكمال ، والإعتراف بالعجز عن إدراك شأن الأفاضل من الصدور الأوائل ، وقصوري عن
الجري في ميدانهم ، ونقص وزني عن أوزانهم ـ جمعت يسيراً من قصير حكمه ، وقليلاً من
خطير كلمه ، يخرس البلغاء عن مساحلته ، ويبلس الحكماء عن مشاكلته.
وما أنا في ذلك علم اللّه إلاّ كالمغترف
من البحر بكفّه ، والمعترف بالتقصير ، وان بالغ في وصفه ، فكيف لا؟ وهو عليه
السلام الشارب من ينبوع النبوي ، والحاوي بين جنبيه العلم الإلهي إذ يقول كرّم
اللّه وجهه وقوله الحقّ وكلامه الصدق ، على ما أدّته إلينا أئمْة النقلة : انّ بين
جنبي لعلماً جّماً لو أصبت له حمله.
وقد جعلت أسانيده محذوفة ، ورتّبت على
حروف المعجم حروفه ، وجعلت ماتوافق من أواخر حكمه وتطابق من خواتم كلمه مسجعاً
مقرناً لكونه أوقع بسماع الأذان ، وأوقر في القلوب والأذهان ، لشدّة ميل النفوس
إلى منظوم الكلام ، وكونها عن منثوره بأبعد مرام ، ليسهل حفظه على قاريه ، ويحلو
لفظه للناظر فيه ، والمقتبس من لآليه ، مع إجتزالي أكثرها خشية من كلفة التطويل ،
مكتفياً بما فيه الشفاء من الكرب والعناء لذوي العقول والأدب.
وسمّيته غُرر الحكم ودُرر الكلم راجياً
من اللّه سبحانه حسن الثواب ، ومستعيذاً به تعالى من كل عاب ، وما توفيقي إلاّ
باللّه عليه توكّلت وإليه متاب.