الخلاف باجماع الفرقة ، وبهذه الرواية ، وايدت برواية أخرى مرفوعة (١) وهو مبني على أن قبلة البعيد هي الحرم كما صرح به المحقق.
واحتمل العلامة اطراده على القولين ، والاجماع غير ثابت ، والخبران ضعيفان والتعليل الوارد في هذا الخبر مما يصعب فهمه جدا ، إذ لو فرض أن البعيد حصل عين الكعبة ، وكان بالنسبة إليه القبلة عين الحرم ، كان انحرافه إلى اليسار مما يجعله محاذيا لوسط الحرم ، وأنى للبعيد تحصيل عين الكعبة ، وعلى تقدير تسليمه فبأدنى انحراف يصير خارجا عن الحرم ، بعيدا عنه بفراسخ كثيرة ، إلا أن يقال : الجهة مما فيه اتساع كثير ، وبالانحراف اليسير لايخرج عنها ، وكون الحرم من جهة اليسار أكثر صار سببا مناسبا لاستحباب الانحراف من تلك الجهة ، وفيه أيضا ماترى.
وقد جرى في ذلك مراسلات بين المحقق صاحب الشرايع والمحقق الطوسي قدس الله روحهما ، وكتب المحقق الاول رسالة في ذلك ، وهي مذكورة في المهذب لابن فهد ره ومن أرادها فليرجع إليه ، وهو رحمة الله وإن بالغ في المجادلة ، وإتمام ما حاوله لكن لم ينفع في حل عمدة الاشكال.
والذي يخطر في ذلك بالبال أنه يمكن أن يكون الامر بالانحراف لان محاريب الكوفة وسائر بلاد العراق أكثرها كانت منحرفة عن خط نصف النهار كثيرا مع أن الانحراف في أكثرها يسير بحسب القواعد الرياضية كمسجد الكوفة ، فان انحراف قبلته إلى اليمين أزيد مما تقتضيه القواعد بعشرين درجة تقريبا ، وكذا مسجد السهلة ، ومسجد يونس ، ولما كان أكثر تلك المساجد مبنية ، في زمن عمر ، وسائر خلفاء الجمهور ، لم يمكنهم القدح فيها تقية ، فأمروا بالتياسر ، وعللوا بتلك الوجوه الخطابية لاسكانهم ، وعدم التصريح بخطاء خلفآء الجور وامرائهم.
وماذكره أصحابنا من أن محراب مسجد الكوفة محراب المعصوم ، لايجوز الانحراف عنه ، إنما يثبت إذا علم أن الامام عليهالسلام بناه ، ومعلوم أنه عليهالسلام لم يبنه ، أو صلى فيه من غير انحراف عنه وهو أيضا غير ثابت ، بل ظهر من بعض ماسنح لنا
____________________
(١) رواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ١٤٦.