ثم امر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة تأليفا لليهود ، ثم حول إلى الكعبة ، وقيل : بل كانت قبلته بمكة بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينه ، كما روي عن ابن عباس ، وسيأتي من تفسير الامام عليهالسلام ، فيمكن أن يراد ذلك أيضا باعتبار جعله الكعبة بينه وبين بيت المقدس ، فكأنها كانت قبلة له في الجملة.
وقيل : القبلة التي كنت مقبلا وحريصا عليها ومديما على حبها أن تجعل قبلة
____________________
اذا قدم المدينة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا فعلى هذا يكون في القبلة نسخان : نسخ سنة بسنة ونسخ سنة بقرآن وقد بين حديث ابن عباس منشأ الخلاف في هذه المسألة ، فروى عنه من طرق صحاح أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان اذا صلى بمكة استقبل البيت المقدس فلما كان عليه السلام يتحرى القبلتين جميعا لم يبن توجهه إلى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة ، والله اعلم انتهى.
وهذا مستبعد جدا بل محال عادة لان المسلمين كانوا محصورين ثلاث سنين في شعب أبي طالب وكانوا يصلون ، وليس هذا الشعب في الناحية الجنوبية من مكة ، وكان صلىاللهعليهوآله يصلى في دار خديجة عليها السلام شرقى مكة ولا يمكن فيها استقبال الكعبة وبيت المقدس معا ، الا أن يلتزم أحد بأن المسلمين لم يصلوا في مكة منذ ثلاث عشرة سنة الا في الجانب الجنوبى من المسجد الحرام وأيضا فانه ٩ سافر إلى الطائف وصلى في سفره قطعا ، والطائف شرقى مكة ولا يمكن فيه استقبال مكة وبيت المقدس جميعا ، وهاجر المسلمون إلى حبشة وبقوا هناك سنين قبل الهجرة إلى المدينة المنورة ولا يمكن من الحبشة استقبال القبلتين ، الا أن يلتزم بأنهم لم يصلوا ، أو كان تكليفهم غير تكليف نبيهم صلىاللهعليهوآله.
والعجب من صاحب الروض الانف مع كمال دقته وتفطنه لجوانب الامور وأطرافها كما يعلم من تتبع كتابه كيف اختار هذا القول ، وبالجملة فالالتزام بوجود نسخين في القبلة أهون.
وان لم يمكن أو استبعد ذلك ، فينبغى أن يقال : ان الكعبة كانت بيت المقدس ، الا أن النبى صلىاللهعليهوآله لم يجعل الكعبة خلف ظهره قط ، بل كان يقف إلى بيت المقدس اما بحذائه اذا امكنه ، والا فبحيث يكون الكعبة إلى أحد جوانبه ، وهذا تشريف منه للكعبة الشريفة وأدب لم يكن واجبا على سائر المسلمين والله العالم.