بيان : قال الفيروزآبادي : الجد البخت والحظ والحظوة والرزق والعظمة ،
____________________
القرظي ، والجميع يرجع إلى معنى واحد وهو العظمة والجلال ومنه قول انس بن مالك : كان الرجل اذا قرء سورة البقرة جد في أعيينا : أي عظم.
وعن الربيع بن أنس أنه قال : ليس لله جد وانما قالته الجن بجهالة فحكاه سبحانه كما قالت : وروى ذلك عن أبي جعفر الباقر وأبي عبدالله الصادق عليهما السلام انتهى.
ومما روى في ذلك مافي تفسير القمي ص ٦٩٨ قال : انه شئ قالته الجن بجهالة فلم يرضه الله تعالى منهم ، ومعنى « جد ربنا » أي بخت ربنا.
أقول : اختلف المفسرون في توجيه النصب في قوله تعالى « وأنه » « وأنهم » ، و « أنا » الواقعة في صدر آيات هذه السورة ، والذى ظهر لى بعد التدبر في الايات أن النصب هو الصحيح وأن ذلك كله عطف على الرشد في قوله « يهدى إلى الرشد » والمعنى أن الجن بعد ماسمعوا القرآن قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد وهو توحيد الله عزوجل فأمنا به ولن نشرك بعد ذلك بربنا أحدا ، ويهدى إلى أنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا حيث قال : ان الله اتخذ صاحبة وولدا.
ومن عجيب مافيه أنه يحكى من أحوالنا ماهو غائب عن أبصار البشر وحواسهم يخبر بأنا ظننا أن لن تقول الجن والانس على الله كذبا ، وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا ، وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع وأنا ... وأنا ... وأنا ..
فهذه الايات تحكى أن الجن بعد ماسمعوا القرآن العزيز وعرفوا مافيه من المعارف الحقة أصولا وفروعا آمنوا به ثم انصرفوا إلى سائر اخوانهم فأنذروهم بالقرآن وبينوا لهم معارفه وحقائقه ، الا انهم حينما شرعوا في بيان تلك الحقائق والمعارف لاخوانهم ، جذبتهم العظمة الالهية فقالوا من عند أنفسهم تعظيما لله عزوجل : « تعالى جد ربنا » وجعلوه جملة معترضة بين الكلامين وكان اصل الكلام « وأنه ما اتخذ ربنا صاحبة ولا ولدا ».
فكل مابينوه من حقائل القرآن الكريم وأخباره الغيبية في كلماتهم هذه ، موجود في القرآن العزيز ، الا معنى هذه الجملة المعترضة « تعالى جد ربنا » فان الجد هو الحظ والبخت