المسائل والصواب من طرفي النقيض لا يكون إلاّ واحدا ؛ مع أنّا نرى اختلافها وعدم انضباطها ، ولذا لا يكاد أن يتّفق اثنان في الاستنباط ؛ فلا يوجد هنا مرتبة معيّنة حتّى يقال : من وصل إليها فهو مجتهد ، ومن لم يصل إليها ليس مجتهدا (١).
يرد عليه : أنّ الملكة أمر واحد وهو حالة يتمكّن بها من ردّ الفروع إلى الاصول. نعم ، لها مراتب مختلفة ؛ لأنّها تزيد وتنقص ، وتشتدّ وتضعف ، ويختلف لذلك سرعة الاستنباط وبطؤه ، وإصابة الحقّ وعدمها ، ولا يوجب ذلك عدم انضباط أصل الملكة ، وعدم العلم بها.
تذنيب
اعلم أنّ هاهنا علوما أخر لها مدخليّة في الاجتهاد من حيث التكميل دون الشرطيّة. وربما عدّ بعضهم بعضا من الشرائط :
الأوّل والثاني : علم المعاني ، والبيان. والأكثر على أنّهما من مكمّلات الاجتهاد ؛ لأنّ أحوال الإسناد الخبري إنّما تعلم في الأوّل ، وهو من مكمّلات العلوم العربيّة ، وأحوال الحقيقة والمجاز وتفاصيلهما تعرف من الثاني ، وهو من مكمّلات المبادئ اللغويّة.
وذهب المرتضى (٢) وجماعة إلى أنّهما من الشرائط (٣) ؛ نظرا إلى ظهور الاحتياج في معرفة الأحكام إلى بعض مباحث القصر والإنشاء الثابت في المعاني ، وإلى أحكام الحقيقة والمجاز الثابتة في البيان.
وهو لا يخلو عن قوّة. وذكر القدر المحتاج إليه منهما في كتب الاصول ـ لو سلّم ـ لا يدفع صدق الاحتياج إليهما.
الثالث : علم البديع. والأكثر على أنّ الاجتهاد لا يتوقّف عليه ؛ لأنّه علم يعرف به وجوه محسّنات الكلام ، والفقه لا يتوقّف على ذلك. نعم ، له مدخليّة في التكميل ؛ لكونه من
__________________
(١) راجع : الإحكام في أصول الأحكام ٤ : ١٧٠ ، ومبادئ الوصول : ٢٤٠ ، وإرشاد الفحول ٢ : ٢٠٦.
(٢) الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٨٠٠.
(٣) راجع : منية المريد : ٣٧٧ ، وكفاية الطالبين ( المخطوط ) ، والوافية : ٢٨٠.