فإن قيل : القاطع دلّ على اعتماد المجتهد المطلق على ظنّه ، وتقليد غيره له ، فالمتجزّئ يقلّده مطلقا أو في هذه المسألة ، ثمّ يجتهد في غيرها.
قلت : لا قاطع على جواز تقليد المتجزّئ له ، بل القاطع دلّ على جواز تقليد العامّيّ الصرف له ، فالمتجزّئ يندرج تحت ما دلّ على ذمّ التقليد في الاصول ، مع أنّه يلزم على الشقّ الأخير ثبوت الواسطة بين أخذ الحكم بالاستنباط والرجوع فيه إلى التقليد.
وبعبارة اخرى تركّب (١) الاجتهاد والتقليد ، وهو أمر مستبعد غير معروف ، على أنّه يلزم عليه جواز العمل في الفروع بظنّه بعد أن يقلّد غيره في جواز اعتماده فيها عليه ، فيثبت صحّة التجزّي.
فإن قيل : على ما ذكر من انحصار دلالة الإجماع على حجّيّة ظنّ المجتهد لمطلق ، وتقليد العامّيّ الصرف له ، يلزم تردّد المتجزّئ بين كونه مجتهدا ومقلّدا ، فما وجه الترجيح لإلحاقه بالمجتهد مع أنّ الظاهر حينئذ ثبوت التخيير؟
قلت : وجهه لزوم التقليد والعمل بالظنّ في صورة إلحاقه بالمقلّد وفي الأوّل لا يلزم إلاّ العمل بالظنّ ، مع أنّ مجرّد التقليد مرجوح بالنسبة إلى العمل بالظنّ إذا تعارضا ، على أنّ هذا على فرض التنزّل ؛ لأنّ الحقّ المشهور جواز العمل بالظنّ في الاصول.
[ الوجه ] الثاني : حصول علم المتجزّئ بأنّ ظنونه في الفروع متّبعة يتوقّف على حصول علمه بأنّ ظنّه في مسألة التجزّي متّبع وبالعكس ، فيلزم الدور.
وفيه : أنّ تعليل الثاني بالأوّل غير صحيح ، فلا يتوقّف عليه ، بل على حجّة تثبته وهي موجودة ، أعني الإجماع على جواز العمل بالظنّ في الاصول ، فإذا علّل الثاني بالإجماع ، اندفع الدور.
[ الوجه ] الثالث : أنّ جواز الاجتهاد في الفروع مسألة اصوليّة وليست ضروريّة ، فلا بدّ لها من دليل ، وليس عليها قاطع ـ كما هو الفرض ـ بل دليل ظنّي ، وجواز الاعتماد على مثل هذا الظنّ أيضا يحتاج إلى دليل ، وهو أيضا ظنّي ؛ لعدم القاطع بالفرض ، فحجّيّته أيضا تحتاج إلى دليل آخر وهكذا. وعلى هذا التقرير يلزم التسلسل لا الدور.
__________________
(١) أي يلزم تركّبهما.