واحتجّ القائل بأنّها لمطلق الطلب بأربعة وجوه :
[ الوجه ] الأوّل : أنّ المفهوم المتبادر منها (١) لغة عند الإطلاق ليس إلاّ مطلق الطلب من دون أن يخطر بالبال فصل الوجوب أو الندب ، فتكون حقيقة فيه (٢).
والجواب : منع التبادر ، بل المتبادر منها الوجوب ، كما تقدّم (٣).
[ الوجه ] الثاني : ثبت من اللغة مطلق الرجحان ولم يصرّح أحد من أهل اللغة بأنّها للوجوب أو الندب ، فجعلها لأحدهما تقييد بلا دليل ، فلا يصار إليه (٤).
والجواب : أنّ جعلها للوجوب ليس تقييدا بلا دليل ، بل ثبت وجوبه من الأدلّة ، كما عرفتها (٥).
وأيضا أنّه إثبات اللغة بلوازم الماهيّات ؛ لأنّ الرجحان لازم للوجوب والندب اللذين كلّ منهما من أفراده (٦) ، والصيغة موضوعة له ، وجعلتموها باعتباره لهما ، وهو باطل ؛ لاحتمال أن يكون الصيغة لهما ولغيرهما أيضا ؛ لجواز أن يكون اللازم أعمّ منهما. وأن يكون للمقيّد بأحدهما. وأن يكون مشتركا لفظيّا بينهما. وأصالة عدم التقييد والغير لا تنتهض حجّة لإثبات مدلولات الألفاظ ، ولم يعتبروا الظنّ الحاصل من مثله ، ولذا صرّحوا بأنّ طريق إثبات الوضع إنّما هو النقل بطريق التنصيص ، أو تتبّع موارد الاستعمال (٧).
[ الوجه ] الثالث : قد كثر ورود أوامر مطلقة بامور واجبة ، وآخر بالمندوبة من دون نصب قرينة ، وكذا كثر ورود أمر واحد بامور بعضها واجب وبعضها مندوب من دون قرينة ، ولا يجوز ذلك لو كان حقيقة في أحدهما فقط ، فيكون للقدر المشترك (٨).
__________________
(١) في « ب » : « منه ». أي من الأمر.
(٢) ذهب إليه الجبائي كما في المنخول : ١٠٤ ، وهو رأي أبي منصور الماتريدي كما في الإبهاج ٢ : ٢٣ ، وحكاه الشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ١٢٣ ، القاعدة ٣١ ، والفاضل التوني في الوافية : ٦٨.
(٣) تقدّم في ص ٦٠٤.
(٤) قاله الفاضل التوني في الوافية : ٦٩.
(٥) راجع ص ٦٠٥.
(٦) أي أفراد الطلب.
(٧) راجع نهاية السؤل ٢ : ٢٨ و ٢٩.
(٨) قاله الفاضل التوني في الوافية : ٦٩.