تفكيره لدى ابن سينا ، إلى جانب عناية المستشرقين بالفيلسوف الإسلامى. وكان العيد الألفي لذكراه فرصة مواتية لإثارة مشاكل ودراسات مختلفة حوله فى الغرب لا تقل عما أثير فى الشرق ، وكان « للإلهيات » من تلك الدراسات حظ أوفر.
فى كل هذا ما يشهد بأن « الإلهيات » كتاب ذو غاية وأثر وتاريخ. فأما غايته فهى التوفيق بين الفلسفة والدين ، ولتحقيق ذلك وضع ابن سينا مبادئ لم يبتكرها جميعا ، ولكنه عرف كيف ينسّقها ويلائم بينها ، بحيث أضحت فى ثوبها الجديد من صنعه وتأليفه. وقدّر لها أن تبقى دعائم للفلسفة الإلهية عدة قرون.
وأما أثره فيرجع إلى أنه كتب بلغة عصره وروحه ، فصادف هوى وسدّ حاجة ، ونفذ إلى المدارس المختلفة المؤيدة والمعارضة. ففى الشرق نجد الغزالى يأخذ عنه فى الوقت الذي يحمل عليه حملة قاسية ، وفى الغرب لم تمنع معارضة القديس توماس له من أن يتأثر به. ولم يقف أثره عند المدارس الإسلامية والمسيحية ، بل امتد إلى المدارس اليهودية ، وكان بعض مفكرى اليهود فى القرون الوسطى منه بمثابة التلاميذ والأتباع.
وأما تاريخه فيصعد إلى أثينا فى أوجها الفكرى ، ويمر بالاسكندرية ، وينتهى إلى بغداد. ثم ينتقل إلى طليطلة ، ومنها إلى باريس وأكسفورد ، وله أصداء فى التفكير المعاصر. يصدر عن « ميتافزيقى » أرسطو أولا ، ولكنه يعدّلها وينقّحها فى ضوء ما جاء به الشراح المتأخرون ، وما أملته عليه بيئته وعقيدته. واستطاع بهذا أن يتآخى مع فلسفات دينية مختلفة شرقية وغربية. قد يكون فى اقترانه بأرسطو ما ساعد على ذيوعه وامتداد أثره ، ولكنه استطاع بنفسه أن يبعث فى الغرب إبان القرن الثالث عشر مذهبا سينويا اقترب من أوغسطين وأفلاطون بقدر ما ابتعد عن أرسطو والمشائية. ولا يزال الباحثون يكشفون فيه عن نواح تربطه بمثل ديكارت ، أو تقربه من مثل برجسون ، ويأبى مفكرو القوقاز اليوم إلا أن يعقدوا نسبا بينه وبين المادية الجدلية.
ونحن على يقين من أن نشر كتاب « الإلهيات » سيغذى هذه الدراسات المتصلة. وقد عكف على تحقيقه أربعة من أصدقاء ابن سينا ودارسيه ، وهم الأب جورج شحاته