وتأثر به مؤيدوه ومعارضوه على السواء ، ويكفى أن نشير إلى مثلين اثنين : روجر بيكون ، والقديس توماس الأكوينى.
فأما الأول فمن أعرف مفكرى القرن الثالث عشر بحياة ابن سينا ومؤلفاته ، وكان معجبا به الإعجاب كله إلى حد أنه كان يعدّه خير شارح لأرسطو والممثل الحق للفكر العربى (١). وراقه من « الإلهيات » أنه يقول بالبعث والسعادة الأخروية ، ويسلم بالملائكة. وشاء أن يطلق على البابا لقب « خليفة الله فى أرضه » (٢) ، على نحو ما صورت المقالة العاشرة من « الإلهيات » الخليفة فى الإسلام (٣).
وأما الثاني فيظهر أنه كان سينويا فى البداية ، ثم تحوّل إلى معارض فيما بعد ، ونقد القديس أوغسطين لا لشىء إلاّ لأن فى آرائه شبها وصلة بالآراء السينوية (٤). ومع هذا كان يتحدث عن ابن سينا دائما باحترام وتقدير ، فلم يقل عنه قط ما قال عن ابن رشد من أنه كان مشوها للحقائق. وأخذ عنه أشياء مختلفة ، بنصها أو بشيء من التعديل ، كالقول بالصور الجسمية ، وقسمة الشرور إلى أنواع ثلاثة ، وأن الله لا جنس له ، وأن وجوده وذاته شىء واحد ، وأنه واجب الوجود بذاته. ويكاد يدور نقده حول المسائل التي تتعارض مع التعاليم الدينية ، كالعلم الإلهى وقصره على الكليات ، ونظرية الصدور وتعارضها مع قدرة الله وحرية الفرد. وهنا يلتقى القديس توماس فى الغرب بحجة الإسلام الغزالى فى الشرق ، ويردد اعتراضات شبيهة بما ورد فى « تهافت الفلاسفة ».
وما إن جاء القرن الرابع عشر حتى بدأ المذهب الرشدى يطغى على المذهب السينوى ، ولكن لم يخفت صوت ابن سينا على كل حال ، وبقى يردد فى هذا القرن والقرنين التاليين. وقد قيل باتصال تاريخى ، أو فكرى على الأقل ، بين بعض النظريات السينوية ونظريات لديكارت وبسكال. ومنذ القرن الماضى عنى أتباع القديس توماس بالبحث عن مصادر
__________________
(١) R .de Vaux Notes et textes p .٦٨ .
(٢) Notes et textes op .cit .
(٣) ابن سينا ، الإلهيات ، ج ٢ ، ص ٤٥١ ـ ٤٥٤.
(٤)E. Gilson, Pourquoi St. Thomas a critique St. Augustin, Archiues, Tome I, Paris ١٠٢٦.